لماذا فشل كورونا في التقريب بين روسيا وأوروبا؟!

الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:

لسنوات عديدة كانت هناك نظرية تقول: “إذا ابتعدت الولايات المتحدة عن تحالفها مع أوروبا فسيؤدي ذلك إلى أن تصبح أوروبا أقرب إلى روسيا”، وحتى وقت قريب بدا هذا السيناريو افتراضياً بحتاً، وبعد وصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة وضعت النظرية على المحك، حيث سياسة ترامب ورأيه بأن أوروبا كانت حليفًا حرًا، وتشككه تجاه اليورو وحلف شمال الأطلسي، ودعمه لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والانسحاب أحادي الجانب من الاتفاقيات التي تحترمها أوروبا – مثل اتفاقية باريس المناخية والاتفاق النووي الإيراني – وضع إسفينًا سريعًا بين أوروبا والولايات المتحدة.
كما أدى وباء كوفيد 19وسلوك ترامب خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 إلى تفاقم الأمور، فلأول مرة منذ أكثر من نصف قرن، اضطرت أوروبا إلى النأي بنفسها عن القيادة الأميركية، ومع ذلك لم تؤد الأزمة العالمية الناجمة عن الوباء إلى تقارب بين أوروبا وروسيا، أو الدفع بأوروبا للبحث عن بديل سريع للولايات المتحدة التي فقدت مصداقيتها.
الوباء هو أول أزمة منذ أكثر من قرن لم تلعب فيه الولايات المتحدة دور زعيم عالمي، أو حتى زعيمة العالم الرأسمالي الحر، فهي لم تقد أوروبا، ولم تكن قدوة لها، ولم تكن حكماً في الشؤون الأوروبية، وقد مهد ترامب الطريق لهذا الوضع بموقفه الأناني والمتغطرس والمعادي لأوروبا، ولكن حتى لو حاولت الولايات المتحدة المطالبة بدور القائد والحكم، فإن أوروبا كانت سترفض أي فكرة من هذا القبيل.
إن صور الولايات المتحدة التي شاهدها الأوروبيون مروعة، فأغنى دولة في العالم، والتي تنفق 17 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي المذهل على الرعاية الصحية – أكثر من أغنى البلدان في أوروبا – تتعامل بشكل أقل من المطلوب من أي دولة أخرى.
على غرار الولايات المتحدة، تعاطت روسيا مع الوباء بشكل منفصل عن أوروبا، لكن هذا لا يفسر فشل روسيا وأوروبا في التقارب في مواجهة الأزمة، حيث أثبت الوباء أنه وقت الاعتماد على الذات.
القرب الجغرافي والحدود المشتركة وحتى العلاقات الجيدة لم تكن كافية لتوحيد البلدان ضد هذه الأزمة، فقد قسم الوباء العالم وانطوت كل دولة على نفسها وأغلقت حدودها وانقطعت سلاسل التوريد بين الدول حتى ضمن الدولة الواحدة، وتم الإغلاق بين الولايات والمحافظات، إذاً لا يمكن اعتبار الوباء مقياساً لنظرية الارتباط السياسي بين أوروبا وأميركا.
طوال أزمة الوباء، لم تتنافس روسيا وأوروبا، بخلاف – ما فعلته أميركا وبعض الدول الأوروبية من أجل معدات الحماية الشخصية وأجهزة التنفس الصناعي في البداية، لقد تعايشوا ببساطة واستمروا في ذلك دون تنسيق أعمالهم، لقد أدخلوا ورفعوا إجراءات الإغلاق بشكل منفصل، وفتح وإغلاق الحدود مع دول مختلفة في أوقات مختلفة، وتطوير واختبار وتسجيل لقاحاتهم بشكل مستقل عن بعضهم البعض، ويتم الآن تنفيذ برامج التطعيم بالتوازي.
محاولات روسيا الأولية رفيعة المستوى لبناء تحالف مع أوروبا ضد فيروس كورونا الجديد – مثل إرسال المساعدة إلى إيطاليا مرة أخرى في آذار – لم تسفر عن شيء، مثل مقترحاتها السابقة لعقد تحالفات ضد أعداء مشتركين آخرين مثل الإرهاب.
الحرب ضد الوباء تتطور على أسس مختلفة في روسيا وأوروبا، وحاولت روسيا مثل بقية العالم في البداية نسخ النهج الصيني، لكنها سرعان ما رفضت هذا النموذج، والآن مع وجود العديد من الدول الأوروبية في ثالث إغلاق كامل لها، وفرض حظر تجول وقيود سفر داخلية، تسعى روسيا إلى حل وسط، وينصب التركيز الآن على التدابير المقيدة التي تهدف إلى حماية الأفراد وتنفيذها بعقوبات معتدلة، إلى جانب تعبئة جميع قدرات الطوارئ في نظام الرعاية الصحية، حيث لا يوجد إغلاق، بل بقيت المسارح والمطاعم مفتوحة للجمهور.
كما تعزز اعتماد روسيا على نفسها، وطورت السلطات الروسية رعاية صحية وقدرات تطعيم كافية، وهي تساعد الشركات من خلال محاولة تجنب عمليات الإغلاق الجديدة، ولا يُترجم التوجه السياسي للحكومة بالضرورة انضمامها إلى العزلة الأوروبية، ولا توجد دولة توضح ذلك بشكل صارخ أكثر من أوكرانيا، فعلى الرغم من أنها اتخذت قرارها بحزم لصالح أوروبا، فقد تُركت أوكرانيا خارج التدابير الأوروبية، ومع ذلك لم يعد بإمكانها أن تكون جزءًا من التدابير الروسية. من ناحية أخرى أظهر الوباء أن الدولة القومية ما زالت حية وبصحة جيدة في أوروبا.
الحكومات الوطنية هي التي فرضت عمليات الإغلاق، ودفعت مدفوعات لشعوبها، وتنفذ برامج التطعيم. من ناحية أخرى، بعد الأزمة الأولية داخل الاتحاد الأوروبي بسبب رد فعله البطيء والقيود المفروضة على حرية التنقل بين البلدان التي تم التباهي بها كثيرًا، سرعان ما أصبح من الواضح أن الدول الأوروبية بمفردها لم تعد قادرة على الاعتماد على نفسها.
كما تبين أن فقاعة الاعتماد على الذات في أوروبا قد بُنيت على مبادئ كان من الصعب تمييزها في السابق تحت غطاء العولمة، حتى عندما يبدو أن الاتحاد الأوروبي يضعف، فإننا نشهد طلبات متزايدة بين الأوروبيين لمزيد من التعاون على مستوى أوروبا، وهذه نتيجة مباشرة لفترة العزلة الأوروبية، هذه العزلة في حقبة الأزمة لم تشمل روسيا، وستشكل مفاهيم أوروبا المستقبلية لحدودها ومرونتها.
بقلم: الكسندر بونوف
المصدر: موسكو تايمز

 

آخر الأخبار
Al Jazeera: لماذا تهاجم إسرائيل سوريا؟ الأمم المتحدة تدعو للتضامن العالمي مع سوريا..واشنطن تقر بمعاناة السوريين... ماذا عن عقوباتها الظالمة... دراسة متكاملة لإعادة جبل قاسيون متنفساً لدمشق " الخوذ البيضاء" لـ "الثورة: نعمل على الحد من مخاطر الألغام ما بين إجراءات انتقامية ودعوات للتفاوض.. العالم يرد على سياسات ترامب التجارية "دمج الوزارات تحت مظلّة الطاقة".. خطوة نحو تكامل مؤسسي وتحسين جودة الخدمات بينها سوريا.. الإدارة الأميركية تستأنف أنشطة "الأغذية العالمي" لعدة دول The NewArab: إسرائيل تحرم مئات الأطفال من التعليم الشعير المستنبت خلال 9 أيام.. مشروع زراعي واعد يطلقه المهندس البكر في ريف إدلب برونزية لأليسار محمد في ألعاب القوى استجابة لمزارعي طرطوس.. خطّة سقاية صيفيّة إيكونوميست: إسرائيل تسعى لإضعاف وتقسيم سوريا المجاعة تتفاقم في غزة.. والأمم المتحدة ترفض آلية الاحتلال لتقديم المساعدات أردوغان يجدد دعم بلاده لسوريا بهدف إرساء الاستقرار فيها خطوة "الخارجية" بداية لمرحلة تعافي الدبلوماسية السورية  الشرع يترأس الاجتماع الأول للحكومة.. جولة أفق للأولويات والخطط المستقبلية تشليك: الرئيس الشرع سيزور تركيا في الـ11 الجاري ويشارك في منتدى أنطاليا بعد قرارات ترامب.. الجنيه المصري يتراجع إلى أدنى مستوياته الأمم المتحدة تحذر من انعدام الأمن الغذائي في سوريا.. وخبير لـ" الثورة": الكلام غير دقيق The Hill: إدارة ترامب منقسمة حول الوجود العسكري الروسي في سوريا