الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف
نشرت قناة Radio Free Europe الإخبارية التابعة للحكومة الأمريكية في نسختها على الإنترنت ، سبع مقالات من إجمالي ٢١ مقالاً خصصتها للحديث عن المعارض الروسي نافالني ، ودعا أحد أهم المقالات في القناة بدعوة الشعب الروسي للنزول إلى الشوارع للمطالبة بالإفراج عن المعارض المذكور .
وفي الوقت نفسه قامت السفارة الأمريكية في موسكو بنشر خرائط تفصيلية للشوارع التي ستحدث فيها الاحتجاجات المخطط لها تحت ستار تقديم المشورة للمواطنين الأمريكيين بشأن المناطق التي يجب تجنبها بسبب المشاكل المحتملة مع ضباط تنفيذ القانون ، وقد تحولت العديد من الاحتجاجات التي نُظمت في مدن روسية إلى أعمال عنف ، ولم تكن هذه التجمعات قد حصلت على التصاريح القانونية اللازمة ، وبالتالي فإن للسلطات الحق والواجب في احتوائها من أجل المحافظة على النظام بشكل عام ، ومن الواضح جداً أن نافالني وأنصاره يتم استخدامهم لتسهيل التدخل الغربي الوقح في الشؤون الداخلية لروسيا .
وبمقارنة بسيطة ، هل يمكنك أن تتخيل الصراخ إذا نشرت السفارة الروسية في واشنطن ، على سبيل المثال ، خرائط لمباني الكابيتول قبل الهجوم العنيف في 6 كانون الثاني من قبل أنصار ترامب؟ أو إذا قامت السفارة الروسية في هولندا مثلاً بنشر تفاصيل عن المظاهرات التي حدثت ضد حظر التجول الذي فرضته الحكومة الهولندية لمنع انتشار Covid-19 خلال عطلة نهاية الأسبوع ؟، وهل يمكنك أن تتخيل مدى الهستيريا بين الحكومات الغربية فيما إذا نشرت وسائل الإعلام الروسية مقالات تحرّض فيها شعوب تلك البلدان للخروج في مظاهرات في الشوارع؟، هذه هي تماماً فجوة النفاق الغربي التي نراها فيما يتعلق بنافالني .
إذ نرى برلمان الاتحاد الأوروبي يطالب بفرض عقوبات على روسيا دعماً لهذا المحرّض المريب ، كما تطالب بعض الدول الأوروبية مثل بولندا ودول البلطيق وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا بإلغاء خط أنابيب الغاز الروسي “نورد ستريم” .
كل هذا الغضب المعادي لروسيا يتجاهل السيادة والقوانين الروسية ، فعندما هرب نافالني إلى ألمانيا في آب الماضي ، قبل أكثر من خمسة أشهر ، مدعياً أنه تمّ تسميمه بغاز أعصاب ، أمضى معظم فترة إقامته في التخطيط لعملية إعلامية كاذبة قدّم فيها ادعاءات كاذبة ومثيرة ضد الحكومة الروسية .
ليس هذا فحسب ، بل قامت الحكومات الغربية والمخابرات ووسائل الإعلام المشتركة في الترويج لقصة تسممه بسلاح كيميائي بالإضافة إلى تقديم المساعدة له لاستفزاز الحكومة الروسية ، كما لم يتم تقديم أي دليل للتحقق من مثل هذا الادعاء ، وفي الواقع يُظهر تقرير حديث صادر عن جون هيلمر كيف قامت السلطات الأوروبية بشكل فعلي بقمع أي محاولة للحصول على بيانات تتعلق بمصدر الادعاءات المتعلقة بتسميم نافالني ، ومع ذلك ، وعلى خلفية مجرد التأكيد والتلميح ، فقد روّج له الغرب بإصرار لدرجة وضع الحكومة الروسية في موقف الاتهام والإدانة .
وعندما عاد نافالني من ألمانيا إلى روسيا في 18 كانون الثاني حذرته إدارة السجون الفيدرالية الروسية من أنه قد انتهك بشكل خطير شروط عقوبة مع وقف التنفيذ لإدانته بالاحتيال الخطير في عام 2014 ، وقد حدث هذا بشكل خاص خلال إقامته في ألمانيا عندما انخرط نافالني في مؤامرة إعلامية برعاية أجنبية لاتهام الرئيس بوتين بمحاولة القتل .
ويدير نافالني ورفاقه منذ فترة طويلة ما يسمى بحملات مكافحة الفساد بمساعدة من وزارة الخارجية الأمريكية ووكالات التجسس الغربية ذات الصلة ، ويعتبر رجلاً مهماً لدى واشنطن وتستخدمه كأداة للتخريب في البلاد من خلال إثارة الاضطرابات الاجتماعية في النمط الكلاسيكي “للثورة الملونة” المستوحاة من أمريكا ، وعادةً ما تتماشى الدول الأوروبية مع رغبات العم سام كما فعلت في أوكرانيا في عام 2014 ، لاسيما البلدان اليمينية البولندية ودول البلطيق التي تعاني تاريخياً مما قد يطلق عليه “رهاب” روسيا ، لكن من الواضح أن العامل المؤثر للدفع الأخير لقضية نافالني هو مشروع الغاز الروسي “نورد ستريم 2” .
وقد قامت واشنطن بتكثيف ضغوطها على الاتحاد الأوروبي خلال العام الماضي للتخلي عن خط أنابيب الغاز ، كما أن بولندا ودول البلطيق الأكثر صخباً بشأن قضية نافالني هي أيضاُ الأكثر صخباً في مطالبها بإلغاء “نورد ستريم 2” .
وتتزايد الشكوك في أن واشنطن قد اشترت تلك الدول بتنازلات لصفقات أسلحة أو إمدادات أمريكية مستقبلية مدعومة من الغاز الطبيعي المسال .
وقد استأنف اتفاق “نورد ستريم 2” في الأسابيع الأخيرة المرحلة النهائية لإكماله على الرغم من العقوبات لتعطيله خلال العام الماضي ، وتشمل عمليات الانتهاء حوالي 50 كيلومتراً من مد الأنابيب إلى الساحل الألماني في طريق إجمالي طوله 12000 كيلومتر من روسيا ، وسيضاعف المشروع الذي تبلغ قيمته 10 مليارات يورو إمدادات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي .
ومن وجهة نظر سياسية وتجارية استراتيجية ، فقد جن جنون الأمريكيين بهذه الشراكة بين أوروبا وروسيا ، وتعتبر قصة تسميم نافالني الغريبة وما تلاها من إثارة وسائل الإعلام أمراً محورياً لوقف مشروع” نورد ستريم 2″ .
لا شك مطلقاً في أن واشنطن يائسة للغاية ، فهي تسعى لتخريب مشروع خط الأنابيب لدرجة أنها تكرّس الآن كل جهودها في التحريض على ثورة ملونة في روسيا .
إنّ النفاق الذي تمارسه مذهل بالنظر إلى الاتهامات الصاخبة التي لا أساس لها من قبل الأمريكيين من أجل التدخل في روسيا .
لكن الأمر الملفت للغاية هو خنوع الحكومات الأوروبية الغبي ، بالإضافة إلى وسائل الإعلام التي تستمتع بالأجندة الأمريكية ، وعلى وجه الخصوص ألمانيا ، وهي التي تحتاج إلى الغاز الروسي في مسعىً منها للتخلص تدريجياً من الفحم والطاقة النووية ، ومع ذلك فقد انغمست برلين في هراء قضية نافالني في محاولة لتشويه سمعة موسكو .
المصدر
Information Clearing House