الثورة أون لاين – ترجمة مها محفوض محمد:
يقول السياسي ويليام آستور (ضابط أمريكي سابق): “في مكنون العقل الجمعي الأمريكي النضال من أجل السلام هو شذوذ وانحراف، في حين أن الإقرار بدولة الحرب هي الطبع الآخر”.
ويتابع: ” سجناء الحرب لن يروا في حياتهم يوماً جميلاً لما عانوه من ظروف رهيبة “، وقد أقمنا لمحاربينا القدامى نصباً تذكارياً، لكن لمجرد التفكير بسجناء الحرب والإرث الثقيل الذي تركته حروب بلادنا منذ الحرب العالمية الثانية فقد توصلت إلى نتيجة تثبت أنه في السنوات التي تلت ذلك أصبحنا نحن الأمريكيين جميعاً سجناء حرب، حيث إننا نشكل جزءاً من ثقافة استمرار تثمين الحرب واحتضان العسكرة، إذ نكرس أكثر من نصف الموازنة الفدرالية للحروب والتسليح لعسكرة الثقافة الأمريكية، نحن نعيش في بلد يحتل المرتبة الأولى عالمياً بتصدير العتاد الحربي القاتل باتجاه النقاط الساخنة الأكثر تراجيدية وعنفاً في العالم ما يشجع على القتل والإبادة، كما يحدث في اليمن، صحيح أنه في بلدنا أمريكا ليس هناك خدمة إلزامية وقلائل هم الأمريكيون الذين يلبسون الزي العسكري.
ومع حلول العام ٢٠٢١ الغالبية بيننا لم يعد لديهم هوية عسكرية يبرز عليها اتفاق جنيف الذي ينص على تعامل قانوني مناسب كالتي كنا نحملها منذ زمن بعيد، إذاً عندما نقول إن كل الأمريكيين هم في الواقع سجناء سياسيون فأنا أستخدم هذا التعبير اختصاراً أو مجازاً وليس كمصطلح قانوني رسمي، إنما ضمن معنى بسيط أن تكون أسيراً لظاهرة ما، يعني أن تكون خاضعاً لنظام مستعبد لأسلوب يقيدك، لا بل يلغي حرية الفكر والعمل و بالتالي يشوه بلدنا ويعرض الحريات الشخصية للخطر، وبهذا المعنى يبدو لي أن كل الأمريكيين أصبحوا سجناء حرب، وفي ذات السياق سأطرح عليكم سؤالاً آخر: في خضم هذا الوباء القاتل وفي وقت يقارب عدد الضحايا في أمريكا ٤٠٠ ألف و يتابع تصاعده ما الذي يجمع ممثلينا في الكونغرس وما هو البرنامج الوحيد الذي يستطيع أن يلقى الدعم الكبير من الحزبين؟.
بالتأكيد لا يتعلق الأمر بتأمين الرعاية الصحية لجميع الأمريكيين أو تقديم مساعدات لتأمين الغذاء أو إيقاف تسريح العاملين من عملهم، لا أبداً فالذي يوحد ممثلينا هو تمويل الصناعة العسكرية المتشعبة لمستوى يصل ٧٤٠،٥ مليار دولار للسنة المالية ٢٠٢١ بالرغم من أن المبلغ الحقيقي لنفقات ” الأمن القومي ” يتجاوز بإحكام ألف مليار دولار على أنّ ٧٤٠،٥ هو أعلى من نفقات عشر بلدان مجتمعة منها روسيا و الصين وحلفاء الولايات المتحدة فرنسا وألمانيا وإنكلترا، وكان ترامب قد عجل في بيع القنابل والصواريخ و الطائرات الحربية إلى الشرق الأوسط قبل أن يسلم إلى بايدن و فريقه مهمة تأمين مصالح تجار الموت الأمريكيين.
و إذا تحدثنا عن بايدن الذي أعاد الجنرال لويد أوستن من تقاعده ليتسلم وزارة الدفاع فهذا يرسل إشارة قوية جداً تفسر ولاءه الكبير للعسكرة وللحرب في الثقافة الأمريكية، فبعد تسريحه انضم الجنرال أوستن إلى مجلس إدارة المجمع التكنولوجي للصناعة الحربية أي أنّ عملية اختياره وزيراً للدفاع تضمن أن العسكري و الصناعي ملتحمان بدقة، فهو جنرال يستفيد من الحرب في تصريف منتجات سوق السلاح.
الحرب هي السلام..
و يوضح مدير معهد كينيسي أندرو بازيفيتش أن الكثير من الأمريكيين يفهمون صنع السلام من خلال حروب دون نهاية، ففي ثقافة الحرب الأمريكية الذين يناضلون حقاً من أجل السلام لا يعدون فقط ” راديكاليين ” إنما شاذون و منحرفون، وفي الوقت ذاته فإن القبول الصريح لتكون أمريكا باستمرار في حالة حرب ضد أجزاء كبيرة من العالم يعد أمراً عادياً لا بل جديرا بالاحترام، الأمر الذي لا يجوز مراعاته أبداً سواء نظرياً أم فعلياً، وبذلك فإن دعاة الحرب أمثال جون بولتون يتم اعتبارهم في عدة أوساط ” واقعيين ” فهذا الذي يرى العالم عدوا للأمريكيين وعليهم أن يسيطروا عليه يجعلنا نعاني كثيراً من هذه الرؤوس الحامية في الوقت الذي يوجد مفكرون يعظمون السلام و ينبذون هؤلاء، وكما قالت يوماً المناضلة من أجل السلام دوروثي داي: ” مشاكلنا تأتي من واقع أننا نقبل هذا النظام الفاسد و المثير للاشمئزاز”.
للأسف إن انتصار ثقافة الحرب هي الأوسع في الوقت الذي تبقى فيه مجمعات الصناعة العسكرية خارج السيطرة والتي كلفتنا هزائم متتالية مدوية خارج أمريكا إذا ما أخذنا في الحسبان كل الجهود المفجعة التي بذلت لكسب ” العقول و القلوب ” منذ حرب فيتنام حتى أفغانستان مروراً بالعراق، وإلا كيف نفسر أن هذه الموازنات تصرف بآلاف مليارات الدولارات من أجل ” الأمن القومي” و يصادق عليها الكونغرس دون أدنى ضجيج واعتراض، ففي القرن الواحد و العشرين يعاني الأمريكيون من حالة تكييف الثقافة مع حالة الحروب بالمعيار الجديد وما عليكم إلا أن تسألوا أنفسكم ماذا على أمريكا أن تفعل كي تتحرر من معسكر السجناء الذي تنفرد به؟.
عن موقع فالميه