الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
هواجس وطموحات وآمال تجوب الأذهان ، وشخصيات تخط مصائرها على جدار الزمن في الوقت الصعب ، منها من يتشبث ويتحدى ويصل ومنها من يسقط.. هي مجموعة نماذج تجتمع لتُكوّن فسيفساء المجتمع فتشكل محاور متعددة تضج بالحياة يتناولها المسلسل الاجتماعي المعاصر (ضيوف على الحب) الذي تتم عمليات تصويره حالياً ، وهو من إخراج فهد ميري وتأليف سامر محمد اسماعيل وإنتاج المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، طارحاً قضايا وهموماً تغرف من معين الواقع فتأتي نابضة بالروح ، وينطلق اللبوس الحكائي لها من منزل دمشقي يقطنه عدد من الشبان والشابات حيث تجري الأحداث عام 2018 .
عن العمل يتحدث المخرج فهد ميري قائلاً : يحكي عن فترة ما بعد الحرب التي شنّت على سورية دون التطرق إلى أي مظهر من مظاهرها حيث نتناول تأثيراتها على الشارع السوري من خلال مجموعة من الشباب والشابات الذين كانوا حبيسي غرفهم المظلمة أثناء الحرب فخرجوا يبحثون عن حياتهم وعن فرص للعمل وهم من شرائح متعددة ، فهناك خريج المعلوماتية والمحامي المتدرب والإعلامية والممرضة وصاحب البزنس وكلهم لهم مشاريع في الحياة ، وخلال بحثهم عن مصائرهم لتكوين مستقبلهم وتأسيسه يمرون في محاور متنوعة ، فنجد قصص الحب والانكسار الداخلي والهجرة ، فعلى الرغم من كل المصاعب وما شهدناه خلال الحرب يبقى الإنسان السوري لديه القدرة لأن يبني ويكون له مكان في الحياة.
وعن مدى انعكاس العنوان على التفاصيل والمضمون يؤكد أن للحب مفهوماً واسعاً جداً فهو معاملة وحياة ، يقول : (كان للحرب تداعياتها الروحية والاجتماعية التي أثرت بنا من الداخل فتبدل الناس ما بين قبل وبعد الحرب ، لأن ما حدث كان بمثابة كارثة على المجتمع السوري ، لذلك أقول ليتنا نعرف كيف نحب ، وبالتالي يمكن اعتبار العمل دعوة إلى الحب وترميم ما صنعته الحرب في نفوس الشباب والمجتمع السوري بشكل عام).
وحول دلالات اختيار المنزل الدمشقي ليضم أطيافاً متنوعة من الشباب والشابات يشير إلى أن البيت الدمشقي يعتبر رمزاً بشكل أو بآخر ، فدمشق هي الحاضنة والرمز ومدينة عريقة تعود إلى أكثر من عشرة آلاف عام ، يقول: فعلنا ذلك دون التطرق إلى البيئة فالمكوّن العام دمشقي ، ويمكن اعتبار المنزل أنه سورية ويضم شرائح اجتماعية متنوعة قد تكون من أي مدينة ، فهي تعكس المجتمع السوري ، ويبلغ عدد الشخصيات داخل المنزل حوالي عشر شخصيات شبابية وفيه العديد من الغرف بحيث يسكن في كل منها فرد واحد وهو أمر موجود في حياتنا بشكل طبيعي . وهناك فسحة للمنزل (أرض الديار) يجتمعون فيها إلى جانب البحرة والطاولة الوحيدة التي يتناولون فطورهم عليها ويجتمعون حولها بعد عودتهم من أماكن عملهم ، فهناك علاقات إنسانية نحكي عنها في العمل عبر حياة عادية وواقعية.
هناك غوص حقيقي نحو العوالم الداخلية للشخصيات ، هذا ما يؤكده المخرج قائلاً: (عندما أخرج أي عمل أبحث في عوالم الشخصيات ومكنوناتها الداخلية فإن لم تكن مقنعة وأصدقها ستظهر بشكل سطحي ما يؤثر على العمل ككل ، لذلك أحاول الشغل على الشخصية والغوص فيها ونبش دواخلها وعوالمها وتناقضاتها ، والشخصيات هنا كثيرة ومتنوعة وفيها ألوان الطيف في المجتمع السوري ما يعطينا الكثير من التداخلات اللونية في الأداء والحكايات التي تشكل في مجموعها العام المجتمع السوري) . وحول رهانه على جذب المشاهد وسط تزايد عدد أعمال البيئة الشامية والأعمال التي تتناول موضوع العنف والأكشن وتجارة الأعضاء والمخدرات والعلاقات المحرمة ، يشير إلى أنه يراهن على الحياة فالعمل يحكي عن واقع يلامس الشخصيات الموجودة في مجتمعنا السوري بحيث نقدم أنفسنا فنحن نعي ظروفنا وأزماتنا ومشكلاتنا وقادرون أن نكون فاعلين ضمن واقعنا ، يقول: تذهب الدراما الآن باتجاه البذخ الانتاجي والإبهار والصورة والديكورات والملابس وتقليد المدبلج .. فقد باتت هذه الأمور اليوم هي السمة العامة في الدراما العربية ، ولكن عملنا مختلف إذ نحكي فيه عن معاناة الناس الحقيقيين وروحهم وتقاليدهم وما له علاقة بحياتنا في محاولة لملامستها بمصداقية دون تزيّف أو تصنع مقدمين نماذج تشبه شخصياتنا ، لأننا بحاجة لرؤية أنفسنا وعلاقاتنا ووعينا ، وهذا لا نراه إلا من خلال الأعمال المعاصرة التي تلامس الحياة ، فنحن نقدم للمشاهد حياة تشبهه أو تشبه أحدا ما يكون قريبا منه ، وبالتالي نبتعد عن الإبهار لأن عملنا لا يحتمل وجوده.
تصوير : نبيل نجم