الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
“ضد المد والجزر ، ضد الرياح” ، بهذه الكلمات وصف الرئيس الصيني” شي جين بينغ” ما تعرضت له الصين من مواجهات وادعاءات واتهامات كاذبة في العام 2020 ، من دون شك هذا الوصف مناسب تماماً ، مع الأخذ بعين الاعتبار كيف تعرضت الصين في الآونة الأخيرة لتشويه سمعتها بسبب انتشار وباء COVID-19 ، ومعسكرات التعليم في شينجيانغ ، وقانون الأمن القومي لهونع كونغ ، وحدوث اشتباكات على الحدود مع الهند .
أما الآن، وبعد أن تم تنصيب جو بايدن المخضرم في الشؤون الخارجية رئيساً للولايات المتحدة ، والذي تعهد باستعادة القيادة العالمية للولايات المتحدة ، فإن بكين تنظر إلى مستقبل مليء بالكثير من التحديات الهامة ، لهذا فإن بعض “المد والجزر” قد يساعدها على السير في الطريق الصحيح للخروج من ورطتها الحالية .
أولاً ، إن السياسة الداخلية المستقرة في الصين تمنحها حيزاُ أكبر في السياسة الخارجية ، حيث يحوّل الرئيس” شي” لحظات الأزمات ، بما في ذلك الوباء ، وفيضانات حوض نهر اليانغتسي وتدهور العلاقات الأمريكية الصينية ، إلى فرص لتوحيد البلاد من حوله .
إن موافقة الشعب الصيني ورضاه عن السياسة الداخلية والخارجية أعطت ” شي” الفرصة لمواصلة حكمه في البلاد ، حيث يحتفل الحزب الشيوعي الصيني بالذكرى المئوية لتأسيسه في عام 2021 .
وبحسب استطلاع أجرته غلوبال تايمز ، يعتقد 77.9 في المائة من الصينيين أن صورة الصين العالمية قد تحسنت ، كما أن الفوضى السياسية وسوء إدارة COVID-19 في الدول الغربية جعلت الصينيين أكثر ثقة في نظامهم السياسي ، هذه الأمور جميعها تشير إلى أن “شي” لا يحتاج إلى اتخاذ خطوات محفوفة بالمخاطر للمحافظة على مركزه .
ثانياً ، إن التحالف العالمي لمواجهة الصين متذبذب ، حيث إن بعض الحكومات تتحدث عن تقليل الاعتماد الاقتصادي على الصين ، لكن الصناعات الكبرى ليست مهتمة بذلك ، فقد كشفت دراسة استقصائية أجرتها غرفة التجارة الأمريكية في شنغهاي أن 70.6 في المائة من الشركات الأمريكية لا تنوي تحويل إنتاجها خارج الصين ، كما أن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لفصل سلاسل التوريد التكنولوجية عن الصين لا تجذب الشركات المصنعة في كوريا الجنوبية .
ثالثاً ، إن التعاون العسكري ضد النفوذ الصيني له حدوده أيضاً ، حيث يحرص المسؤولون الأمريكيون على موازنة قدرات الصين A2 / AD مع نشر صواريخ متوسطة المدى في آسيا والمحيط الهادئ ، لكن الحلفاء مثل اليابان يحجمون عن استضافتها ، بالإضافة إلى هذا فإن المعاناة الاقتصادية لكوريا الجنوبية بعد استضافتها نظام الدفاع الصاروخي في منطقة الارتفاعات العالية هي تذكير صارخ بغضب بكين .
أما إنشاء ما يسمى” بالتحالف الرباعي” ، وهو منتدى استراتيجي غير رسمي بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند ، فقد أدى إلى زيادة الآمال في تشكيل “الناتو الآسيوي” ، لكن هذا التحالف العسكري غير دقيق بسبب المصالح الوطنية المختلفة ، وعندما تكثف الصين ضغطها العسكري بشكل كبير ، فإن معظم الدول الآسيوية ستفضل سياسة التحوط على الاحتواء .
أخيراً وليس آخراً ، التراجع في تصعيد العلاقات الأمريكية الصينية ، فعلى الرغم من أن المنافسة بين القوى العظمى ستستمر ، إلا أن هناك مجالاً ولو كان ضيقاً للتعاون ، فقد أقر المبعوث الرئاسي الخاص لإدارة بايدن لشؤون المناخ جون كيري ، بأن واشنطن بحاجة إلى التحدث مع بكين بشأن تغير المناخ وعليها أن “تفعل ذلك بطريقة لا تجبر الناس على الاحتكاك والتوجه نحو الصراع” ، فإذا كان بايدن جاداً بشأن تطوير الطاقة الخضراء في الولايات المتحدة فسيحتاج إلى تربة أساسية نادرة من الصين .
وبالنظر إلى أنه من المتوقع استمرار الرسوم الجمركية الأمريكية الحالية ، وحظر التكنولوجيا على الصين ، فإن المفاوضات ستكون صعبة ، ولكن الانخراط الصعب فيها هو حتماً أفضل من الصراع المباشر .
كما أن اندفاع وول ستريت إلى السوق الصينية يعني أن البيت الأبيض سيكتظ بالأطراف التي ستضغط على الرئيس إذا خرّبت السياسة الأمريكية الاقتصاد الصيني وأضرت بالمصالح التجارية الأمريكية المتزايدة في الصين .
في عام 1989 ، خاطب” دينغ شياو بينغ” ، زعيم الصين آنذاك ، الحزب الشيوعي الصيني قائلاً : “لا تخف من ردود فعل العالم أو فقدان مكانتنا الدولية ، فقط عندما تنجح الصين في التنمية فهي تحقق الهيبة في العالم” .
وكما قال” دينغ” ، فإن الرئيس الصيني” شي” يعتقد أن مكانة الصين العالمية تعتمد على التنمية الاقتصادية وليس الصورة السياسية ، وعلى الرغم من الافتراضات بأن الصين تتجه نحو الداخل باستراتيجية “التداول المزدوج” ، فإن نية بكين الفعلية هي ترقية سوقها المحلي وزيادة الاندماج في الاقتصاد العالمي .
لا يمكن حل الاحتواء الأجنبي والاضطرابات المحلية المحتملة إلا إذا بقي النمو الاقتصادي الصيني ضرورياً للجميع ، وإذا نجح عمل بكين المتوازن ، فقد يؤدي ذلك في النهاية إلى قلب المد ، والرابح الأكبر هي الصين بلا شك .
المصدر
Eurasiareview