“نبوءةٌ على التلفاز” تحمِّل الخيال.. آثام العولمة القاتلة

الثورة أون لاين-هفاف ميهوب:
عندما تقرأ رواية يحتشد فيها الخيال بطريقة تجعلك تنجذب وتتماشى، مع أفكار وتصورات ورؤى واستفسارات بطلها، لابد أن تكون الضغوط الحياتية والنفسية التي تعيشها، قد أبعدتك عن الواقع وأخذتك إلى عالم الهواجس والأوهام، وإلى الحدّ الذي يجعلك تشعر بما شعر به الأديب “محمد أمين الساطي”، بل وتفكر بما فكر به، عندما قدم لروايته “نبوءة على التلفاز”:
“الأفكار الغريبة التي لا تخضع للمنطق، تتسرّب أحياناً إلى عقولنا رغماً عنّا، فلا تلبث أن تتحكم فينا، لأنها تتوافق مع مصالحنا الشخصية، ورغباتنا المقموعة، فنجدها بعد فترة، وقد تحوّلت إلى هواجس، لا تنفكّ عن مطاردتنا، حتى تسيطر علينا، فنصبح عبيداً لها، وخصوصاً إن لم نجد في تلك اللحظات، من يقف إلى جانبنا، لينقذنا من هذه الضغوط النفسية الرهيبة، التي نرزح تحتها.
من غير المستبعد أن تتآمر حواسنا علينا، وتبدأ في خداعنا، ما يسهّل علينا اجتياز الخط الفاصل بين الواقع والخيال، فنغرق في أحلام اليقظة، مستمتعين بالأوهام، مبتعدين عن مشكلاتنا اليومية التي لاتنتهي.”..
نعم، بهذا تشعر وتفكر وأنت تقرأ رواية، هي من الروايات التي لا تنتمي إلى أدب الخيال والهواجس والتصورات والتهيُّؤات، بمقدار ماتنتمي إلى أدب الواقع، أو أدب النفس، أو حتى ما يمكن تسميته، أدب عولمة الفكر والذات..
تتساءل، ومنذ بداية قراءتك لها: يا ترى، ما الذي هدف “الساطي” إليه من روايته؟!.. ما الذي دفعه لاستحضار هذا الكم من الخيال الذي أغرقنا فيه، وماهي رسالته؟!..
نتابع الأحداث لنصل إلى أجوبة شافية، ونتلمس الواقع الذي عاشه بطل هذه الرواية، ومذ كان طفلاً يجلس لساعاتٍ أمام التلفاز الذي عزله عن عالمه الخارجي، إلى أن بات شاباً تفاقمت لديه هذه العزلة، فأوقعته في صراع عقلي ونفسي.
إنه الاستلاب الذي نعيشه، وجسّد الكاتب انعكاساته من خلال بطل روايته. الشاب الذي فرض عليه روتين حياته ووظيفته، أن يعيش يوميات غريبة ومضطربة، أثرت على أفكاره وشخصيته. أثّرت أيضاً، على طريقة تعامله مع الآخرين، ففضَّل الاستمتاع بالعزلة مع هواجسه، بعيداً عن الآخر الذي عجز عن التوافق معه، لأنه رأى بأنه لا يشبهه.
ليس هذا فقط، بل بات لا شيء يشغله أو يهمه، إلا ذاك المذيع الذي كان ينتظر يومياً إطلالته المرعبة، ومن أجل سماع ماسيمليه عليه من أوامر وتحريضاتٍ مخربّة..
التحريضات التي وإن بدت غير مقبولة ومخيفة فيما تطلبه، إلا أن ماأخافه أكثر، شعوره بأن من يوجهها له، يعرف عنه كلّ شيء، وكأنه معه أو يراقبه.
تدرجت هذه التحريضات في اقتياده إلى الجحيم، وإلى أن جعلت منه مجرماً، ينفّذ ماتطلبه منه، حتى وإن تعلق الأمر بقتل الأصدقاء والمحبين.
يحاول أن ينسى هذه التنبؤات، لأنها تدفعه إلى خيالات وأفكار لا يستطيع إيقافها أو تفسيرها… يجد صعوبة في ذلك، ويشعر بأنها باتت مسيطرة على عقله، وبأن عليه الاقتناع بها، حتى وإن كانت غير منطقية.
يشعر بأن عليه الاقتناع بها، لأنها تتحول إلى واقع تمادى في ملاحقته واقتياده إلى المجهول، وإلى أن باتت وساوسه تجلده، وتفقده اتزانه وتفكيره الواعي أو المعقول.
ربما هو تخاطر، وربما وساوس.. ربما تهيؤات أو أحلام، أو رغبات الإنسان العاجز..
ربما هو كل ذلك وربما، هو رفضٌ لقيود العولمة التي أطّرت الإنسان وسحقته، ورغبة بتخليص البشرية من “الحكومات والمؤسّسات العالمية الخفية، التي تسيطر على العالم، عبر استغلالها للميديا، التي حولت البشر إلى نسخة كربونية واحدة، تستطيع التحكم بها”.
إنها السيطرة التي بدأت بجهاز التلفاز ولم تنته، فهيمنة من يقدمون البرامج، هي ما أراد “الساطي” أن يؤكد عليه، ومن خلال الحديث عن تفاصيل حياة الإنسان الذي عزلته الميديا وسيّرته وحكمته، وبشتى وسائل التواصل والبثّ الفضائي الآلي. هذا التحكم الذي لم يهيمن فقط على أفكاره وطموحاته ونزواته وأحلامه ومتطلباته، بل هيمن أيضاً على إنسانيته. الإنسانية التي تخلى عنها بعد أن تحول وبأمر التحريض الإعلامي، والإغراء المالي، إلى شرير ومخرّب وقاتل، يؤتمر بأوامر فضاءٍ فرّغه من قيمه وأخلاقه ووعيه بكينونته، وحوّله إلى كائن من عنفٍ، يسرق ويدمر ويحرق ويقتل، دون وعي أو اتزانٍ نفسي أو عقلي.
أهو فعلاً تمرّد، في عالمٍ احتشدت في أعماق كل واحد فيه، الرغبة بالانتقال إلى عالم أفضل؟.. إنه ما حذّر منه الكاتب، ودلّ على خطورته، ساعياً لجعلِ القارئ يتلمس مقدار تقزم الإنسان وضياعه في هذا العالم الذي استلبته فيه التكنولوجيا بطريقة، أفقدته معناه وجدواه، وكل ما يرتقي بوعيه وإنسانيته.

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى