الثورة أون لاين – غصون سليمان :
لم تكن على الحياد يومً بل كانت تحتضن وطناً في قلبها الدافق نقاء وحبا ، لم تحاب أحداً في قول كلمة الحق على المنابر وساحات الحقيقة ، لم تجامل في عشقها للحوامل والثوابت الوطنية ، كانت حريصة على استنهاض الهمم وإيقاظ الوعي حيث يجب أن يكون قولاً وفعلاً ، واجهت كغيرها من النساء السوريات النبيلات حملات التشوية والمصطلحات الغبية التي خاطبت الغرائز ، وفندت بلغة العقل والمنطق كل ذاك الزيف ، والعهر الاخلاقي ، والنفاق السياسي ، والتضليل الإعلامي ، والتشويه الاجتماعي .
في اليوم العالمي للمرأة تضيء السيدة ليلى صعب مديرة مركز ثقافي الميدان ، ومديرة ملتقى المقاومة عن بعض جوانب خطط العمل والأدوار التي اشتغلت وتشتغل عليها المرأة السورية وخاصة في المراحل القادمة بعدما خاضت أقسى التجارب وأصعبها خلال السنوات العشر من حرب عدوانية حاقدة .
تؤكد صعب أن المرحلة القادمة هي مخصصة في معظمها للطفل ، وكل من يعمل بعيداً عن عالم الطفولة يكون ضالاً ، وإذا كان العمل مع هذه الشريحة هام قبل الحرب العدوانية فهو الأهم اليوم بعدها ، لأنه بعد مخلفات الحرب وتركاتها أصبح هناك شرخ وتفكك اجتماعي في بعض الزوايا والأماكن التي تحتاط إلى علاج و تضميد ، مبينة أن معظم من يشتغل ويعمل مع الطفل ثقافياً واجتماعياً يعملون للأسف بمراكز الضوء ومراكز القرار ومراكز المدن ، بينما الطفل الحقيقي الذي يحتاج الرعاية كما تؤكد صعب هو طفل مهمش ، كأطفال الأرياف والذين هم خزان للخير وخزان للشر في آن معا .
فإذا عرفنا كيف نصل لهذه الشريحة وتمكنا من العمل عليها على صعيد الفن والثقافة والموسيقا ، نكون ربحنا الشيء الكثير ، فمن خلال التجربة تبين أنه من كان قريباً من أجواء الفنون والثقافة والموسيقا كان بعيداً عن سلوك الإرهاب ، والمناطق الأحسن ثقافياً هي المناطق التي لم يستطع الإرهاب أن يتغلغل فيها إلا ماندر .
ويكون هؤلاء خزان للشر إذا ماتركناهم وفق نظرية الحلول ، فإن لم نعمل معهم ، هناك من سيحل ويأخذ الدور ، وهذا الاشتغال المطلوب من خلال استقطابهم بشكل واع ومسؤول بعيداً عن دروس الفكر المتطرف والدين المتعصب .
وتوضح صعب بأن المهمة الأكبر اليوم أن نتوجه نحن الكبار إلى الأطفال المستهدفين توعوياً عبر برامج منوعة لسبر مايريدونه ، بما يمكننا من إيصال أفكارنا وتحميلها على حوامل ثقافية بما يناسب إيصال الرسائل التي نريدها من خلال الرسم ، الشعر ، القصة الإلقاء ، الكتابة شرط ألا يكون بشكل مباشر ، وإنما العمل الحقيقي مع الصغار يجب أن يكون بعيداً عن الأضواء وحيث هم موجودون في أماكنهم النائية ، معتبرة أن رفاهية الثقافة تحت أضواء المدينة بمثابة ترف ، لذلك يبقى العمل الحقيقي هو في الأماكن الريفية البعيدة والتي تحتاج إلى إضاءة وفهم وعلاج أكبر لطالما كانت مرتعاً خصباً لتشويه الفكر .
*صانت أسرتها:
وعن كيفية ترميم النساء السوريات لمساحات الوجع ، تؤكد صعب أن المرأة السورية كانت ومازالت وستبقى سيدة الضوء رغم عتمة هذه الظروف التي خلفتها ويلات الحرب العدوانية على بلدنا ، فهي المرأة الإيجابية التي حفظت أسرتها وصانتها بالدرجة الأولى ، وهي المرأة التي نابت عن الأب في معظم المهام والأنواع ، هي الأم المقدسة التي تحملت فقد الأحبة واستقبلتهم شهداء بكل فخر .
وهي المرأة التي ضللوا أولادها وخسٌروها إياهم في معركة ليست معركتهم فكان عبؤها ثقيلاً ، أوحتى تلك التي سافرت وحملت العبء أيضا ، إضافة إلى تلك التي تعيش شغف الحياة ، وتقوم بأعمال لم تمارسها في حياتها ، لكنها اضطرت للقيام بها .
لذلك كله لن يكون الحديث في عيد المرأة في الثامن من آذار يعتمد على إلقاء الخطابات أو قرض الشعر ، وإنما سيتم العمل كما تشير صعب على استقدام الحرفيات والسيدات اللواتي لم يحملن في أيديهن “مطرقة وإزميل “و اللواتي استطعن خلال خمسة عشرة يوماً أن يتقنَّ الطرق على النحاس ، ويجدن لأنفسهن حرفة كي يعشن وأبنائهن بكرامة .
وأشارت صعب بالقول أنه علينا الاهتمام بالمرأة السورية المقاومة ليس بحمل السلاح فقط ، أو تبني فكر هذا الحزب أو ذاك ، بل أن تقوم مقاومة لكل شيء خاطىء وغير صحيح ، لكل ماهو ظلامي .
حتى في هذا الظرف الاقتصادي القاسي تقوم المرأة السورية بعمل جبار لدرجة أن المرء يحتار كيف أن الإنسان السوري متلائم مع هذه الموارد والدخول البسيطة فيما فجوة الاستهلاك كبيرة جداً ، ليبقى السؤال كيف أن الأمهات يتدبرن شؤون منازلهن ويقفن على دور الغاز والخبز ، ويؤدين أدوار التوازن وضبضبة بيوتهن بشكل معقول ومستور .
فسابقاً كنا كنساء نطالب بأدوار ، فيما اليوم شئنا أم أبينا أخذنا معظم الأدوار وفرضنا وجودنا بقوة الإرادة والتحدي بما فرضته الحرب من ويلات وصعوبات طالت جميع مناحي الحياة ، لكننا نحتاج كنساء لمن يعيننا ويحمل معنا .
*المرأة السلبية:
وفي سؤالنا عن ماهية المرأة السلبية في المجتع ؟ تشير مديرة مركز ثقافي الميدان أن المرأة السلبية في المجتمع هي التي استسلمت لظرفها مهما كان الظرف الاجتماعي والاقتصادي ، هي المرأة التي منعت أبناءها وبناتها أن يكملوا سنوات الدراسة والجامعة وحرمتهم فرص التعليم بحجة الخوف عليهم ، وسلبية هذا النوع من النساء انعكست عليها كفرد أولا وعلى المجتمع ثانياً .
والمرأة السلبية الأخرى حسب رأي صعب والتي يجب العمل عليها ضمن خطة العمل المقبلة هي أم المسلح والبحث بكيفة الولوج الى داخل عقلها ، ماالذي جعلها تصل وتعمل بهذا الاتجاه ، وكيف لها أن تذبح وتقتل وتحرق وتهرب السلاح ، وتصل إلى درجة عالية من الشر ، وهؤلاء مازلن موجودات لغاية اللحظة .
وفيما إذا كنا كنساء ومؤسسات قادرين من الوصول اليها كان جواب السيدة صعب ، أنه يمكن الوصول لهذه الشريحة باسلوب غير تقليدي وغير مباشر وإنما عبر الأنشطة بما يساعدهم على التنمية ، بايصال الرسائل الهادفة منوهة أنها بصدد إقامة تجمع أو ملتقى أو جمعية في إطار قانوني ، لتعزيز مفهوم ثقافة المقاومة عند المرأة بالفكر والفن والسينما ، والعمل الإيجابي .
فالحوامل الثقافية برأيها يمكن لها أن تكسر عنا الحصار عندما يكون المرء مؤمناً ومنتمياً بشكل حقيقي لهذا الوطن ، وإذا كان الظرف صعباً لايعني أن نستسلم له ، وإذا كنا قد خسرنا المنازل والأرواح علينا ألا نخسر الوطن ، وإذا ماكسبناه فإن أبناءنا قادرون على بنائه وإعماره ، لافتة أن المراكز الثقافية في عز الحرب وخضمها كانت مستلزماتها الأساسية موجودة وما تحتاجه هو فقط وجود الإنسان الغيور على العمل .
* مفهوم الانتماء:
وعن مفهوم الانتماء وكيف نعززه في عقول الناشئة تؤكد صعب أن المقاومة ثقافة وانتماء .. انتماء للوطن الأول وهو الأم ، فإذا لم يكن الطفل منتمياً للبيت الذي نشأ فيه ، وللحي والمدرسة التي يجاورها ، لن يكون هناك انتماء للوطن .
أن يشعر الموظف أن مكتبه ومؤسسته ومكان عمله كما بيته يهتم ويعتني به ويحافظ عليه ، متسائلة هنا لمصلحة من هاجم صغار الأغبياء وكبار الحاقدين ، بأدواتهم الرخيصة الحاقدة ، على سبيل المثال لاالحصر المدارس والمستوصفات والمراكز الثقافية في مناطق مختلفة وعاثوا فيها خراباً وتدميراً ، فلو كان لهؤلاء ذرة انتماء لهذه الجغرافية ولتلك الأمكنة لما أقدموا عليها .
وبالتالي هل هذه المنشآت الإنسانية والحضارية هي ملك لفئة معينة أو تيار محدد ، أم هي ملك لجميع أبناء المجتمع ، وساهم في بنائها وانشائها سواعد وعقول وخبرات كفاءات الوطن .؟
وفي سؤالنا عن دور المنظمات من طلائع وشبيبة وغيرها في تصحيح بعض المسارات في سلوك الجيل الحالي ذكرت السيدة صعب أن دور هذه المنظمات كان إيجابياً و فعالاً فيما سبق ، فيما كان متواضعاً في السنوات الأخيرة ، مايضعنا أمام حالة من التفكير بكيفية إعادة بناء الجيل على أسس صحيحة ومنطق سليم .
أخيراً نشير أن السيدة ليلى صعب تحمل إجازة باللغة العربية ، ومن نشاطاتها ومهامها ، مديرة ملتقى المقاومة ، مديرة ثقافة ريف دمشق سابقاً ، مديرة مهرجان قلعة جندل الثقافي من ٢٠١٠-٢٠١٦ ، وحالياً مديرة مركز ثقافي الميدان.