هشاشةٌ رقميّة

 

الملحق الثقافي:ثراء الرّومي

أفتحُ صفحتي الشّخصيّة على “الفيسبوك” كنافذة إلى العالم، فتطالعني عبرها ميزة القصّة التي لا أنكر أنّني كغيري أستفيد منها كجواز سفر آنيّ، أو لأقل كمنصّةٍ لانتشارٍ أوسع، جنباً إلى جنب مع الحالة التي أنشرها على تطبيق الواتس آب، ولكن ما يحزُّ في نفسي، أنّها غدت بالنّسبة للكثيرين أرشيفاً آنيّاً لأروع لحظاتهم، ولعلّه أشبه بالسّراب أو بقطعة حلوى لذيذة جدّاً، ولكنّها تذوب في خلايا الذّاكرة خلال أربعٍ وعشرين ساعةً، لتتلاشى وكأنّها لم تكن. وأكاد أجزم أنّ البعض مأخوذ بها حدّ نسيان أرشفة تلك اللّحظات على الجوّال، أو على قرصٍ مدمج، واهمين أنّ هذه الميزة توفّر عليهم عبء تأمين ذاكرة إضافيّة لتأريخ لحظاتٍ لا تُنسى، ولكنّهم يغفلون بهذا أنّهم يساهمون في محو تلك الذّكريات، مع انقضاء المدّة المخصّصة لهذه الحالة أو تلك القصّة.
ترى هل أصبحنا كائنات رقميّة؟ بل هل باتت كلّ تفاصيل حياتنا افتراضية؟. أغلب الظّنّ أنّ نصيبَنا كبير من ذلك.
ألم نصبح دون أن ندري، أسرى أرقام إعجابات وتعليقات ومشاهدات، نطالعها بلهفةٍ ما إن تبصر أعيننا نور الصّباح؟!، وقد تشاركنا قهوتنا الصّباحيّة، وربّما مكالماتنا الهاتفيّة التي نحاول فيها جاهدين تقريب البعيد، القريب أساساً.
ألم يخترق هذا الغزو الرّقميّ معظم الجلسات الأسريّة والاجتماعيّة بامتياز، لتغدو كلّ جلسةٍ مشروع صورة كاريكاتورية، ترسم واقع هذه الجلسات العصريّة الموغلة في الغربة عن الذّات والآخر، بما يشبه الكوميديا السّوداء. ولعلّ أطرف ما يروى في هذا الميدان، حكاية جدّة تشترط على أحفادها أن يضعوا جوّالاتهم في سلّةٍ تُصادرُها فور دخولهم إلى منزلها، كي لا تكون زيارتهم لها وحنوّهم عليها افتراضاً بافتراض.
لست شخصيّاً بمنأى عن تأثير هذا الغزو المريع، رغم أنني من أكثر المتمسّكات بعدم السّماح لما سميته بالغول الرّقميّ باجتياح عالم أطفالي، وقد أُعتبَر ممّن صمدوا كثيراً. لكنّني في نهاية المطاف، وجدت نفسي كمن تحارب طواحين الهواء، وباتت معايير الحنان والحرمان مرتبطة بهذا الكائن الرّقميّ الغريب، فلمَّا جابَهْتُ تغلغله في عقولهم، وجدته ينتقل إليهم من خلال الأقارب والأصدقاء الذين يشاركونهم اللّعب على الجوّال، لأغدو الأمّ القاسية الظّالمة، التي تحرم أطفالها متعة متاحة لكلّ من حولهم.
لا يعني هذا أنّني رفعت رايتي البيضاء وسلّمت بالأمر، ولكنّني أناور ما استطعت، فالرّحلة في هذا العالم الرّقميّ ثمنها اجتهاد في درس أو تصرّف لبق في موقف، والحرمان منها هو الرّادع الأكبر، إن لم يكن الوحيد. إنّها، وبكلّ أسف، المعايير العصريّة الجديدة لمفهوم الثّواب والعقاب في زحفٍ لا مناص منه، ولكنّه يقتضي أن نشرِّع ذكاءنا كأمّهات في مواجهته، أو الاستفادة منه، فلا يكفي أن نغمض أعيننا دونه ونمضي، متجاهلين وجوده وجموحه.
تحضرني في هذا المقام، اللّغة الرّقميّة التي يتداولها جيل الشّباب في دردشاتهم، والتي تحمل وِزْرَ تقعّرٍ في لغةِ جيلٍ يحبو في طريقِ التّعبير عن ذاته، ويحتاج ما يصقل هذه اللّغة ويزيد دعائمها في عالم خبا فيه ألق الكتاب، وغدا النّسخ واللّصق عنوانَيْن عريضَيْنِ فيه، وقد يتلازمان مع منشوراتٍ مسروقةٍ ومسبوقةٍ ومكرّرةٍ حدّ الغثيان، ولهذا الحديث شجون كثيرة يطول شرحُها.
يبقى السّؤال: لمَ لا نُعمِلُ عقولنا في استثمار تلك المعطيات الرّقميّة، لصالحنا وصالح الأجيال التي نرعاها، بدلاً من أن يجرفنا طوفانها ويحوّلنا إلى أرقام بلهاءَ متسمّرة أمام الشّاشات؟!..

التاريخ: الثلاثاء23-3-2021

رقم العدد :1038

 

آخر الأخبار
"أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق  إعادة  63 قاضياً منشقاً والعدل تؤكد: الأبواب لاتزال مفتوحة لعودة الجميع  84 حالة استقبلها قسم الإسعاف بمستشفى الجولان  نيوز ويك.. هل نقلت روسيا طائراتها النووية الاستراتيجية قرب ألاسكا؟       نهاية مأساة الركبان.. تفاعل واسع ورسائل  تعبّرعن بداية جديدة   تقدم دبلوماسي بملف الكيميائي.. ترحيب بريطاني ودعم دولي لتعاون دمشق لقاء "الشرع" مع عمة والده  بدرعا.. لحظة عفوية بلمسة إنسانية  باراك يبحث الملف السوري مع  ترامب وروبيو  مبعوث ترامب يرحب بفتوى منع الثأر في سوريا   إغلاق مخيم الركبان... نهاية مأساة إنسانية وبداية لمرحلة جديدة  أهالي درعا يستقبلون رئيس الجمهورية بالورود والترحيب السيد الرئيس أحمد الشرع يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك في قصر الشعب بدمشق بحضورٍ شعبيٍّ واسعٍ الرئيس الشرع يتبادل تهاني عيد الأضحى المبارك مع عدد من الأهالي والمسؤولين في قصر الشعب بدمشق 40 بالمئة نسبة تخزين سدود اللاذقية.. تراجع كبير في المخصص للري.. وبرك مائية إسعافية عيد الأضحى في سوريا.. لم شمل الروح بعد سنوات الحرمان الدفاع المدني السوري.. استجابة شاملة لسلامة الأهالي خلال العيد