هنري كيسنجر يوجه نصيحة لإدارة بايدن لإيجاد صيغة تفاهم مع الصين لضمان الاستقرار الدولي، وحث واشنطن وحلفائها الأوربيين للعمل معا من أجل الوصول إلى تفاهم مع بكين حول نظام عالمي جديد، كي لا يواجه العالم فترة خطيرة كتلك التي سبقت الحرب العالمية الأولى، وقال إن الوضع اليوم أخطر مما كان عليه في تلك الفترة، وأبدى خشيته من أن تخرج الأمور عن السيطرة.
أن تأتي هذه النصيحة، وهذا التحذير، من دبلوماسي أميركي داهية، يعد من أبرز مخططي الحروب وتوليد الأزمات الدولية، فهذا يعني أن هذا التصعيد الأميركي والاوروبي ضد الصين لن يكون في صالح الغرب بحال خرجت الأمور عن السيطرة، فكيف الحال إذا عندما تكون روسيا في مرمى هذا التصعيد إلى جانب الصين، وليس أمامهما سوى خيار تعزيز تحالفهما الاستراتيجي لمواجهة التهديدات الغربية؟، بكل تأكيد فإن نتيجة أي معركة يفرضها الغرب، عسكرية كانت أم سياسية أو اقتصادية، ستكون نتيجتها محسومة لصالح العملاقين الصاعدين الصين وروسيا.
وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن العائد من بروكسل للتو، ربما عليه الإنصات جيدا لنصيحة كيسنجر الأكثر خبرة ودهاء في السياسة ودهاليزها، عله يقنع بايدن – المتهم أميركيا بالخرف- بالعدول عن سياساته الهجومية والعودة إلى رشده، وبمقدوره فعل ذلك، فهو تمكن بثلاثة أيام فقط من تضميد جراح الأوروبيين المكتوين بإهانات ترامب، وحصل بسهولة على تأييدهم الأعمى لأي خطة مواجهة تضعها إدارته لإزاحة الصين وروسيا عن حلبة المنافسة الدولية، بما يضمن لواشنطن الحفاظ على دورها القيادي في العالم، ويؤخر إلى أجل غير مسمى ولادة النظام العالمي الجديد، الذي بات كيسنجر نفسه يؤيد ولادته ويدعو إليه، ربما لتقليل حجم الأضرار السياسية والاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة، بحال قبلت النصيحة وعجلت بولادته عن طريق التفاهم والحوار.
واضح أن إدارة بايدن لن تقبل النصيحة، لافتقادها الحكماء والعقلاء، هي رفضت سابقا الاستماع لنصائح مسؤولين أميركيين سابقين حذروها من الاستمرار في سياساتها الفاشلة في سورية، لكنها لم تزل تراكم هذا الفشل، والكثير من النصائح وجهت أيضا للحكومات الاوروبية للتخلي عن نهج التبعية العمياء لواشنطن، وإيلاء الاهتمام لمصلحة بلدانها وشعوبها، لكنها ترفض الانعتاق، وكل المؤشرات التي تعكسها التغيرات الحاصلة في موازين القوى العالمية، تفيد بأن ميزان أي مواجهة محتملة يفرضها الغرب، سيميل لصالح القوى الأخرى المستهدفة، فلماذا هذا الإصرار الغربي على الجنوح نحو التصادم وعسكرة العالم؟، هو بكل تأكيد عقلية الغطرسة التي تحكم ساسة الغرب، هم لا يريدون الإقرار بأن زمن الهيمنة والوصاية على الشعوب قد ولى، وأن العالم على أعتاب ولادة نظام جديد متعدد الاقطاب، وباتوا بحاجة لمن يوقظهم من أوهامهم، وعندما يقدم كيسنجر نصيحة لأولئك الساسة بأن يرتقوا بأدائهم، فهو من باب الحرص على المصلحة الأميركية أولا، والأوروبية ثانيا، وليس من باب الخوف على مستقبل العالم.
نبض الحث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر