ما يسمى مؤتمر (بروكسل للمانحين) ربما يجيب على أسئلة في غاية الأهمية: ( ما هي مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية في سورية؟، ما هي مصلحة الدول المضيفة في مواصلة احتجازها للمهجرين في مخيمات اللجوء على أراضيها؟، لماذا تضع الدول الراعية للإرهاب تلالاً من العقبات أمام عودتهم، وتمارس بحقهم سياسة الترهيب لثنيهم عن مجرد التفكير بالعودة؟)، وهنا تقفز إلى الذهن حقيقة واحدة، بأن مثل هذا المؤتمر لا علاقة له بالوضع الإنساني كما يدعي القائمون عليه، وإنما يرتبط بأجندات سياسية، تسعى منظومة العدوان لتحقيقها تحت اليافطة الإنسانية، بعدما عجزت عن تحصيلها بالحرب والإرهاب والعدوان.
ما يعرف بمؤتمرات المانحين تعقد في العادة بعد انتهاء الحروب، لمساعدة الدول المتضررة على إعادة إعمار ما دمرته تلك الحروب، ولكن هذا المؤتمر تم عقده خمس مرات حتى اليوم، وكل مرة يجمع مليارات الدولارات تحت عنوان (مساعدات إنسانية)، ولكن هذه المساعدات يذهب جزء منها للتنظيمات الإرهابية لترميم صفوفها وعتادها، وليس للشعب السوري كما تدعي جوقة (بروكسل)، والجزء الآخر يذهب للدول المضيفة بحجة مساعدتها على تأمين مستلزمات المهجرين على أراضيها، وهذا يوضح الغايات العدوانية من وراء الاستثمار الغربي الرخيص بالورقة الإنسانية، والهادف بطبيعة الحال لإطالة أمد الحرب الإرهابية بأشكال وعناوين مختلفة.
النسخة الخامسة مما يسمى مؤتمر (بروكسل) على سبيل المثال، تعتزم الأمم المتحدة أن تجمع خلاله عشرة مليارات دولار،( 4,2) مليارات مخصصة حسب مزاعم القائمين على المؤتمر لما يسميه المشاركون الاستجابة الإنسانية في سورية، و(5,8) مليارات لدعم اللاجئين والدول المضيفة لهم، ومع التأكيد القاطع بأن الشعب السوري لن تطوله المساعدات، وخاصة أنه يعاني من وطأة الحصار والعقوبات التي تفرضها وتشارك فيها الدول (المانحة) في المؤتمر، فإن الإرهابيين هم المستهدفون بتلك المساعدات، وهي تشكل مصدر دعم وتمويل لعملياتهم الإجرامية بحق السوريين، كما أن تخصيص نحو نصف المبلغ المذكور للدول المضيفة للمهجرين بفعل الإرهاب، يوضح حقيقة إصرار تلك الدول على المتاجرة بمعاناة أولئك المهجرين، فهي تكسب من ورائهم مليارات الدولارات سنوياً، ومن دون أن تؤمن للمهجرين حياة كريمة على أراضيها كما تدعي، وكثير من مخيمات اللجوء في الدول المجاورة هي بمثابة معسكرات اعتقال، تفتقر للحد الأدنى من المقومات الإنسانية.
المواقف الصادرة عن (المؤتمر) تؤكد أيضاً أن الولايات المتحدة والأنظمة الأوروبية والإقليمية التابعة لها ليس في واردها التخلي عن سياساتها العدائية تجاه سورية وشعبها، بسبب دحر هذا الشعب لمشروعها الاستعماري في المنطقة، وباتت تلك الدول تعتمد سياسة الضغط والابتزاز، فالجميع تحدث عن الحل السياسي المشروط، بما يتناسب مع الأجندات الأميركية والأوروبية العدوانية، ومسألتي المهجرين وإعادة الإعمار إحدى أوراق الضغط والابتزاز، من أجل الحصول على مكاسب سياسية تخدم المشروع الصهيو-أميركي، ولذلك فإن اسطوانة المتاجرة الغربية بمعاناة المهجرين وربطها بشروط سياسية ستتواصل، ولكنها بكل تأكيد لن تفلح كباقي الضغوط السياسية والاقتصادية في النيل من إرادة السوريين، ولن تثني الدولة السورية عن مواصلة محاربة الإرهاب، وكان يكفي للدول المشاركة في جوقة (بروكسل) أن تتوقف عن دعم هذا الإرهاب، والتوقف عن سياسة الحصار والتجويع، بحال كانت بالفعل حريصة على حياة السوريين، وبقي لديها مقدار ذرة من المعايير الأخلاقية والإنسانية.
البقعة الساخنة -بقلم أمين التحرير- ناصر منذر: