الثورة أون لاين- أحمد حمادة:
حتى لو كانت السفينة العملاقة “إيفر غيفن” قد جنحت في قناة السويس بسبب الرياح العاصفة فعلاً، وليس بسبب فرضية “نظرية المؤامرة” الأميركية والإسرائيلية، وحتى لو لم تكن المؤامرة إياها حاضرة قولاً وعملاً قبل حضور السفينة وسدها لأهم شريان بحري يربط شرق العالم بغربه، فإن مسارعة الكيان الإسرائيلي للنبش في مشروعه القديم قناة “بن غوريون” وإجبار سفن العالم لاحقاً على المرور عبرها، يؤكد بشكل جازم أن مؤامرة هذا الكيان الغاصب، ومن خلفه بلاد العم سام، قد حضرت بالفعل لاحقاً، وأن جنوح “إيفر غيفن” قد أنعش مخططاتهما الاستعمارية للسيطرة على أحد أهم شرايين الأرض التي صنعها الإنسان.
علقت إذاً سفينة الحاويات العملاقة “إيفر غيفن” في قناة السويس لعدة أيام، وسدت بجسمها وحمولتها الضخمة شريان الملاحة البحرية الأكثر أهمية على مستوى العالم، وأثرت بشكل كبير على حركة التجارة العالمية، لكنها ألهمت محللي العالم وباحثيه بالكثير من الأفكار، واعتبر بعضهم أن ما جرى كان بفعل مؤامرة إسرائيلية لإعدام قناة السويس، وإحياء المشروع الصهيوني القديم بشق قناة تربط البحر المتوسط بالأحمر، وتحقيق الحلم الإسرائيلي بالسيطرة على حركة التجارة العالمية.
ولم يكتف هؤلاء بطرح نظرية المؤامرة وحسب، بل استشهدوا عليها بالكثير من الأدلة والمعطيات، ومنها حمولة ومواصفات “إيفر غيفن” التي تجاوزت المعايير الدولية المنصوص عليها في “سويس ماكس” كشرط لعبور قناة السويس، وخالفتها، فجزموا بأن الحادثة كانت مدبرة.
وبغض النظر عن صحة هذه الفرضية من عدمها فقد جاء إعلان الكيان الإسرائيلي عن تفكيره فعلياً بالبدء بشق قناة “بن غوريون” ليؤكد أنه استغل على الأقل جنوح السفينة العملاقة، الذي جاء بالصدفة، ومضى بمشروعه الاستعماري القديم، فما هي تفاصيل “بن غوريون” وما أهم مواصفاتها؟.
قناة “بن غوريون” هي إحدى مخططات الكيان الإسرائيلي القديمة جداً، لا بل باتت كما يؤكد العديد من المراقبين هي اليوم من ضمن بنود صفقة القرن المشبوهة، وفي هذا الإطار تكشف النشرة الإلكترونية الأميركية “بيزنيس إنسايدر” عن مذكرة أميركية تعود للعام 1963 أصدرها مختبر “لورانس ليفرمور” التابع لوزارة الطاقة الأميركية، وتشير إلى إمكانية شق قناة إسرائيلية عبر صحراء النقب تربط المتوسط بالأحمر، وتكون بديلة عن قناة بديلة عن “السويس” بطول 160 ميلاً.
كما نشرت صحيفة “هآرتس” الصهيونية منتصف العام 2017 مقالاً حول هذه القناة، وقالت إن طولها سيبلغ 300 كلم وستربط “إيلات” على البحر الأحمر “بأسدود” على المتوسط، وستكون بعمق 50 متراً وعرض لا يقل عن 200 متر، أي زيادة عن قناة السويس بعشرة أمتار بالعمق، وستستطيع سفينة بطول 300 متر وعرض 110 أمتار، وهي أكبر قياس للسفن في العالم، العبور في قناة “بن غوريون”.
وتكررت التقارير الإسرائيلية عشرات المرات خلال العقود الثلاثة الماضية، وهي تستفيض بشرح مواصفات القناة وفوائدها على الكيان الغاصب، وتتحدث عن زمن شقها الذي سيكون بحدود خمس سنوات، وأن العمال العرب والآسيويين هم من سيحفرونها، وسيعمل في المشروع 300 ألف مستخدم من مهندسين وفنيين في جميع المجالات، استناداً إلى مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي كتب عنه شمعون بيريز، والذي يجعل العمالة العربية في خدمة المشروع الصهيوني، وأن الكيان الغاصب سيرصد لها المليارات المطلوبة وبتمويل مصارف أميركية، وستدر عليه أرباحاً هائلة تتجاوز عشرة مليارات دولار سنوياً.
ويخطط الكيان الإسرائيلي لحفر قناتين متوازيتين ل”بن غوريون” كي تكون أولاهما للسفن القادمة من الأحمر إلى المتوسط وثانيهما بالعكس، حتى لا تتأخر أي سفينة في العبور، كما يروج لجر مياه من هذه القناة إلى البحر الميت بحجة أن مياهه تتناقص سنوياً، لا بل وتحدثت بعض المقالات الصهيونية عن المشاريع الموازية للقناة، والتي ستقوم على ضفتيها، كإقامة مدن صغيرة وفنادق ومطاعم ونوادي سهر ليلية من حولها.
“بن غوريون” إذاً مشروع صهيوني قديم جديد، يسعى لخنق العرب وتحديداً الاقتصاد المصري، ويسعى أيضاً، وبالاتفاق مع واشنطن، للهيمنة على حركة التجارة الدولية، وعلى الملاحة في البحر الأحمر، والتحكم بدول المنطقة برمتها، وحتى بالصين، بل وتقول التسريبات إنها ستكون -في حال حفرها- أداة تجسس إضافية للكيان المحتل، من خلال وضع أجهزة مراقبة في عمق القناة، وإقامة حواجز تكشف الأسلحة وتصور بأشعة الليزر كل السفن العابرة وحمولاتها، فهل أدركنا ما تخطط له قوى العدوان الأميركي والغربي والصهيوني للسيطرة على اقتصاد المنطقة والعالم من خلال حفر شريان جديد يعدم “السويس” ويفرض وجوده على الجميع بالبلطجة والإرهاب والغطرسة التي يعرفها القاصي والداني
