الثورة أون لاين- خلود حكمت شحادة:
أقامت كلية التربية في جامعة دمشق (اليوم العلمي الخاص بالتوعية باضطرابات التوحد) تزامناً مع اليوم العالمي للتوحد الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 139/62 في نهاية عام 2007 ليكون الثاني من نيسان من كل عام يوماً عالمياً للتوحد بحضور وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور بسام ابراهيم ووزير التربية الدكتور دارم طباع وشخصيات وفعاليات ومنظمات ومؤسسات وجمعيات وذلك بهدف التوعية والتعريف بهذا النوع من الاضطرابات والعمل ضد التميز لتحقيق التنوع والاندماج التام وضمان مشاركة تامة لمرضى اضطرابات طيف التوحد وتحقيق إمكاناتهم لتحقيق خطة التنمية المستدامة التي وضعتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2030 والتي تهدف إلى عدم ترك أحد خلف الركب.
توزعت الجلسات على قسمين بمشاركة اختصاصيين في التربية والطب والصيدلة وآخرين من المؤسسات والجمعيات التي تُعنى بهذا الموضوع.
الدكتورة زينب زيود عميد كلية التربية أكدت أنه إيماناً بأهمية رفع الوعي بمختلف جوانبه والتعامل الصحيح مع مضطربي طيف التوحد حيث إن هذا النوع من الاضطرابات لا يفهمه الناس بشكل جيد وهو اضطراب معقد ويتجسد بعوارض متعددة فالأطفال والراشدون المصابون بهذا المرض فضلاً عن المصابين بحالات إعاقة بشكل عام يرزخون تحت عبء متعدد الأوجه من بينها مواجهة المواقف السائدة تجاههم في المجتمع وعدم تلبية احتياجاتهم، لذلك علينا أن نظهر التضامن معهم فهم مختلفون عنا ولكنهم منّا ولديهم إمكانات كبيرة يتمتع معظمهم بمهارات مختلفة والتعرف على مواهبهم بدل التركيز على نقاط ضعفهم هو أمر ضروري والالتزام بحقوقهم هو استثمار في مستقبل مشترك وضرورة عملية.
تعريف وتشخيص
الدكتورة غانا حسن مدرسة في قسم التربية الخاصة في كلية التربية قدمت المحاضرة الأولى حيث تضمنت تعريف طيف التوحد وأعراضه وخصائصه موضحة أن طيف التوحد هو المصطلح الحالي المتداول حالياً والذي تقتصر فيه الإصابة على أطفال مرحلة الطفولة المبكرة حيث كان سابقاً يركز على حالات الطفولة في السنوات الأولى أما حالياً فيعتبر اضطراباً نمائياً يصيب الطفل في مراحل الطفولة المبكرة وهناك الكثير من الأعراض لا تظهر قبل الأربع أو الخمس سنوات وتتلخص الأعراض في محورين أساسيين هما: الأول الضعف في التواصل الاجتماعي والتفاعل بالمعايير المتعددة والثاني هو السلوكيات والاضطرابات الحسية التكرارية ولا يوجد سبب وحيد يكون الأساس للإصابة.
وفق الرؤية الحديثة الاهتمام بالتركيز على الاستجابة الحسية لهؤلاء الأطفال وهم بحاجة للانتباه لمؤشرات أساسية تدل على اضطراب معين علينا كأهل أو مربين أو معلمين أن ننتبه لهم فهناك مؤشرات أساسية تنبئ بوجود الاضطراب.
أما عن أسباب المرض ذكرت حسن: بأنه إلى الآن لا يوجد سبب وحيد يمكن وضعه أساسياً للإصابة باضطراب طيف التوحد فهناك أسباب متعددة تم شرحها في دراسات وفرضيات تصل إلى نظرية العقل وهناك أبحاث تتعلق بالأسباب العصبية الكيميائية.
أما سلوكيات أطفال طيف التوحد تلاحظها الأم بداية فهي ترى الاختلاف لدى طفلها مع تقدمه في العمر من خلال تواصله معها ومع الأقران وطريقة اللعب وتناول طعامه أو حركاته التكرارية والترددية في الكلام من ناحية التواصل والكلام لذلك يسمى اضطراب التوحد بالاضطراب الغامض وزاد الاهتمام فيه بالسنوات العشر الأخيرة من خلال الدراسات والقراءات وهذا مؤشر إيجابي.
أما الدكتور محمود شقيري اختصاصي في الأمراض العصبية ركز على التوسع في مفهوم ومعايير طيف التوحد لتصبح نسبة انتشاره ما يقارب 1% وذلك بمتابعة معايير التشخيص التي تتطلب مراكز واهتماماً معتمدة في التشخيص على نقص التفاعلية الاجتماعية لتكون بذلك مفتاح التشخيص.
أما عن المعايير الرئيسة للتشخيص فهي العجز في التواصل والتفاعل الاجتماعي والعجز في التبادلية العاطفية الوجدانية وسلوكيات التواصل غير اللفظية “الإيماءات” والمعيار الثاني هو العجز في تطوير العلاقات والمحافظة عليها وفهمها وصعوبة الاندماج باللعب مع الأقران، مضيفاً إنه من الصعب غالباً الوصول إلى تشخيص نظراً للتنوع الكبير في أعراض اضطراب طيف التوحد وشدته ولا يوجد اختبار طبي معين لتحديد الإصابة بهذا الاضطراب.
ومن الناحية النفسية قدم الدكتور نضال نقول اختصاصي في الطب النفسي محاضرته بعنوان “الأسباب العصبية والبيوكيميائية لطيف التوحد” موضحاً صعوبة التشخيص بسبب الاضطرابات المرافقة العصبية والنفسية وأن الاختصاصي يشخص على أساس ملاحظة الطفل والسؤال عن الكيفية التي تطورت على نحوها تفاعلات الطفل الاجتماعية ومهاراته التواصلية وسلوكه وكيف تغيرت كل منها بمرور الوقت ومن ثم إجراء اختبارات تتناول السمع والتخاطب واللغة والمستوى النمائي والأمور الاجتماعية والسلوكية وتقديم التفاعلات الاجتماعية والتواصلية وملاحظة النتائج.
وذكر الدكتور نقول أن شكل طفل التوحد يختلف قليلاً فغالباً ما نلاحظ حجم الرأس أكبر من عند أقرانه وهناك مشاكل حركية ظاهرة وخاصة في ضعف الحركة في الأشهر الأولى مضيفاً إن العامل الوراثي يلعب دوره عند الذكور أكثر منه عند الإناث.
تجربة رائدة
وعن دور وزارة التربية في متابعة مصابي طيف التوحد تحدثت سبيت سليمان مدير البحوث في وزارة التربية عن تجربة الوزارة في دمج أطفال التوحد موضحة أن الدمج في المدارس بدأ عام 2001 بمدرستين على نطاق مدينة دمشق واليوم وصل عدد مدارس الدمج ليصل إلى 225 مدرسة على مستوى سورية والعمل مستمر للزيادة وفق الحاجة والطلب، وركزت سليمان على أن الدمج في الوزارة هو دمج تعليمي وليس تأهيلياً حيث تم تصميم مقياس لأطفال الإعاقة وتم أخذ سبعة أنواع من الإعاقات القابلة للعملية التعليمية من ضمنها طيف التوحد وتقدّم وزارة التربية دورات تدريبية لمعلمات غرف المصادر بشكل تعريفي وليس تشخيصياً على مستوى المدارس في سورية وهناك لجنة وزارية في كل محافظة فيها طبيب يقدم تقريراً طبياً عن حالة طفل الدمج في المدارس الدامجة وهناك أدلة تعريفية لكل حالة ودليل طيف التوحد قيد الطباعة حالياً.
وذكرت سليمان أن وزارة التربية تعمل على غرف المصادر للدمج التعليمي وهناك حالات لطيف التوحد تدخل إلى المدارس بشكل إفرادي ويتلقى تعليمه دون أن يكون هناك أي خدمات خاصة مقدمه له.
وعرضت سليمان إحصائية عن عدد أطفال التوحد في سورية وعدد الحالات في كل محافظة وفق الآتي:
في محافظة دمشق 338 حالة موزعين في عدد من المناطق وتجاوزت أعلى نسبة 78% في منطقة الميدان.
في محافظة ريف دمشق 123 حالة موزعين في عدد من المناطق وكانت أعلى نسبة 40.65% في منطقة قطنا.
في محافظة حلب 220 حالة موزعين في عدد من المناطق و كانت أعلى نسبة 64.9% في حلب القديمة
في محافظة حمص 160 حالة في ثمانين مدرسة و كانت أعلى نسبة 66.12 % في حمص القديمة.
في محافظة حماة 116 حالة موزعين في عدد من المناطق و كانت أعلى نسبة 57.8% في مدينة حماة القديمة.
في محافظة اللاذقية 50 حالة موزعين في عدد من المناطق وكانت أعلى نسبة 52% في مدينة اللاذقية تلتها مدينة جبلة.
في محافظة طرطوس 53 حالة موزعين في عدد من المناطق و كانت أعلى نسبة 28.3% في طرطوس القديمة.
في محافظة القنيطرة 367 حالة موزعين في عدد من المناطق و كانت أعلى نسبة 59.7% في المنطقة الثانية.
في محافظة درعا 611 حالة موزعين في عدد من المناطق و كانت أعلى نسبة 73.8% في منطقة الشجرة.
في محافظة السويداء 24 حالة موزعين في عدد من المناطق و كانت أعلى نسبة 37.5% في منطقة المشنف.
في محافظة دير الزور 22 حالة موزعين في عدد من المناطق و كانت أعلى نسبة 54.5% في المدينة.
في محافظة الحسكة سجلت سبع حالات بسبب الوضع الراهن لم تتمكن الوزارة في المتابعة حالياً.
الجديد في علاجات التوحد
إن لم يتمكن مصابو طيف التوحد من تعلم الطريقة التي ندرس بها نحن اليوم نتعلم طريقتهم التي يتعلمون هم بها لذلك علينا البحث عن طرق العلاج المناسبة حيث إنه لا يوجد علاج شافٍ بعد لاضطراب طيف التوحد وليست هناك طريقة علاج واحدة تناسب جميع الحالات والهدف من العلاج هو زيادة قدرة الطفل على أداء الأعمال بأكبر قدر ممكن من خلال الحد من أعراض اضطراب طيف التوحد ودعم النمو والتعلم لديه عن طريق التدخل المبكر خلال سنوات ما قبل المدرسة والمساعدة في تعلم المهارات الاجتماعية والوظيفية والسلوكية الحيوية ومهارات التواصل.
وقد تساعد مجموعة من طرق العلاج والتدخلات المنزلية والمدرسية في علاج اضطراب طيف التوحد، كما قد تتغير احتياجات المريض بمرور الوقت ويمكن لمقدم الرعاية الصحية وضع خيارات علاج إذا تم التشخيص باضطراب طيف التوحد ووضع استراتيجية للعلاج وقد تشمل خيارات العلاج أموراً متعددة ذكرها الاختصاصيون في الجلسة الثانية الدكتور شادي الخطيب رئيس الجمعية السورية للأعشاب الطبية والدكتورة علا مصطفى من جامعة البعث والدكتورة هالة شاهين من كلية الصيدلة موضحين طرق العلاج المختلفة من علاجات سلوكية وتربوية وصولاً إلى الطب البديل.
بداية العلاجات السلوكية والاتصالية: تعالج العديد من البرامج مجموعة من الصعوبات الاجتماعية واللغوية والسلوكية المرتبطة باضطراب طيف التوحد. وتركز بعض البرامج على الحد من السلوكيات المثيرة للمشاكل، وتعليم مهارات جديدة وتركز البرامج الأخرى على تعليم الأطفال كيفية التصرف في المواقف الاجتماعية أو التواصل بشكل أفضل مع الآخرين. كذلك يمكن أن يساعد تحليل السلوك التطبيقي الأطفال على تعلم مهارات جديدة وتعميم هذه المهارات في حالات متعددة من خلال نظام التحفيز القائم على المكافآت.
العلاجات التربوية: والتي غالباً ما يستجيب الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد للبرامج التربوية التي تتميز بدرجة عالية من التنظيم وتتضمن البرامج الناجحة عادةً فريقاً من الاختصاصيين، ومجموعة متنوعة من الأنشطة لتحسين المهارات الاجتماعية ومهارات الاتصال والسلوك وغالباً ما يظهر الأطفال قبل سن المدرسة ممن يحظون بتدخلات سلوكية فردية مركزة تقدماً جيداً.
ولا يمكننا تجاهل دور الأسرة وهي الأهم منذ اكتشاف الحالة وتشخيصها لتطبيق علاجها وهنا يكمن العلاج الأسري حيث يتعلم الآباء وأفراد الأسرة الآخرون كيفية اللعب والتفاعل مع أطفالهم المرضى بطرق تحفز المهارات الاجتماعية وتعالج المشكلات السلوكية وتعلمهم مهارات الحياة اليومية والتواصل.
أما العلاجات الأخرى فتكون بناء على احتياجات المريض كعلاج النطق لتحسين مهارات التواصل والعلاج المهني لتعليم أنشطة الحياة اليومية والعلاج الطبيعي لتحسين الحركة والتوازن من خلال التمارين الرياضية والمساجات لتطوير المهارات الحسية والتكامل الحسي.
أما عن العلاج بالأدوية نوّه الاختصاصيون بأنه لا دواء كيميائي لهذا المرض سوى البروتينات والمنشطات للمعالجة إضافة إلى العناية من المحيط وهناك معالجات الطب البديل بالأعشاب التي تحسّن الذاكرة والأداء الذهني وتنشط الدورة الدموية والمناعة والتي تحتوي على مضادات الأكسدة ولها تأثير غير مباشر وتمنع تموت بعض الخلايا مثل الجنكوبيلوبا- الزنجبيل – قشور القرفة- القرنفل – الكركم- العناب والجنسينغ.
فيما ذكر الدكتور فادي جريح وهو مدرس في قسم التربية الخاصة أن تعديل سلوك ذوي طيف التوحد والتركيز على مهاراتهم وتنميتها ودعمهم تدفعهم للاستمرار في التعلم والتعويض عن مشكلتهم طوال الحياة مع بقاء حاجة البعض لتقديم مستوى معين من الدعم لهم ما يمكنهم من التخطيط لفرص مستقبلية كالدراسة أو العمل وحتى الوضع المعيشي والاستقلال.
تسليط الضوء على الحاجة الماسة لمساعدة من يعانون من طيف التوحد أمر ضروري ليتمكنوا من عيش حياتهم بشكل طبيعي فهم جزء لا يتجزأ من المجتمع علينا الاهتمام بهم ليكونوا يوماً ما فاعلين وفعالين نسير نحو مجتمع أفضل.