“فورين بوليسي”: تنافس القوى العظمى ربما يقودنا إلى كارثة؟

 

الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:

تصدرت عناوين الصحف مصطلح “أميركا عادت”، بعد خطاب الرئيس جو بايدن في مؤتمر ميونيخ للأمن في شباط الماضي، وهو خطاب مصمم بوضوح لوضع نهاية لسياسة دونالد ترامب وإعلان بداية جديدة في العلاقات عبر الأطلسي، وعندها وعد بايدن بالقول: “نحن لا ننظر إلى الوراء”، ولكن مع ذلك، يبدو أن البند الأساسي في السياسة الخارجية لإدارة ترامب قد عاد مجدداً، وهو المنافسة بين القوى العظمى، وخاصة مع الصين.
وكما حدث أثناء الحرب العالمية على الإرهاب في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أو عند تصنيف الولايات المتحدة على أنها الدولة التي لا غنى عنها في التسعينيات، يبدو أن المجتمع الاستراتيجي لواشنطن يعيد توجيه نفسه مرة أخرى نحو نموذج جديد ضيق الأفق بالنسبة للعالم ومكانة أميركا فيه، لذلك فإن اعتماد المنافسة بين القوى العظمى كاستراتيجية لخدمة مصالحها الخاصة فقط هو أمر شديدة الخطورة.
وعلى الرغم من أن الاستراتيجية العسكرية الوطنية لإدارة أوباما لعام 2015 حذرت من الدول “التي تحاول مراجعة الجوانب الرئيسية للنظام الدولي”، إلا أن المصطلح نفسه لم يدخل حيز الاستخدام على نطاق واسع إلا في عهد ترامب، وقد صرح وزير الدفاع جيمس ماتيس في حزيران 2017 أن “العودة إلى منافسة القوى العظمى تضع النظام الدولي تحت الهجوم”، بينما أشارت استراتيجية الأمن القومي التي صدرت في وقت لاحق من ذلك العام إلى أنه “بعد استبعادها باعتبارها ظاهرة من قرن سابق، إلا أن المنافسة على السلطة قد عادت”.
و”المنافسة بين القوى العظمى” هو وصف دقيق، حيث إن هذه المنافسة هي سمة مميزة للبيئة الدولية، سواء أكان المرء يتحدث عن التنافسات بين الإمبراطوريات التي حدثت في القرن السادس عشر، أم التدافع الإمبريالي على إفريقيا، أو صراع الحرب الباردة بين الكتل الرأسمالية والشيوعية، فإن الدول دائماً ما تناور على السلطة والنفوذ، وكما قال الأستاذ بجامعة جورج تاون دانيال نيكسون مؤخراً، “لا يمكن للمنافسة بين القوى العظمى أن تعود، لأنها لم تختف أبداً”.
وبدلاً من ذلك، فإن “عودة المنافسة بين القوى العظمى” هي في الأساس طريقة أسهل للاعتراف بأن الولايات المتحدة في حالة تدهور نسبي، إن استراتيجية أحادية القطب، وهي فترة ثلاثة عقود من الهيمنة العالمية للولايات المتحدة والتي بدأت مع انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأت بالانتهاء، وبلغة العلوم السياسية، بدأت الدول الأخرى في تحقيق التوازن ضد الولايات المتحدة عن طريق اتخاذ إجراءات كثيرة لم تكن متوفرة لديها خلال التسعينيات.
ومع ذلك، فإن الجدل الدائر حول منافسة القوى العظمى سيكون أقل إشكالية بكثير. سيقوم العلماء والنقاد بتحديث نماذجهم العقلية من أجل عالم أكثر تنافسية للمضي قدماً في حياتهم، فقد وصف جون لويس جاديس، الأستاذ بجامعة ييل، ذات مرة بأن “العلاقة المحسوبة بين الوسائل والغايات كبيرة جداً”، وأن منافسة القوى العظمى مفقودة بشدة، إذ أنه ليس من الواضح ما إذا كانت المنافسة في حد ذاتها وسيلة أم غاية.
تصف استراتيجية الأمن القومي لعام 2017، على سبيل المثال، العالم بأنه “ساحة منافسة مستمرة” يجب على الولايات المتحدة الاستعداد لها، سواء أكانت مشاريع البنية التحتية المحلية، أو الإعفاء من قروض الطلاب، أو إصلاح المؤسسات الديمقراطية، أو زيادة معدل المواليد، يتم الآن تصوير مجموعة واسعة من أولويات السياسة على أنها ضرورية للسعي وراء المنافسة بين القوى العظمى، وهذا يشير إلى أن المنافسة بين القوى العظمى هي بحد ذاتها غاية، ولا يتم عادةً ذكر سبب اضطرار البلاد إلى المنافسة بهذه الطريقة.
فمثلاً، يصبح التعزيز العسكري في أوروبا وآسيا ضرورياً، حتى لو زاد من خطر نشوب صراع مفتوح مع قوة نووية أخرى، ولكن في الوقت نفسه فإن الفصل الاقتصادي يُعتبر أمراً حيوياً لحماية سلاسل التوريد، على الرغم من أن الدراسات تظهر أن التكاليف التي تتحملها الشركات والعمال الأميركيون ستكون باهظة، وقد أوضح تقرير حديث صادر عن مركز الصين التابع لغرفة التجارة الأميركية، على سبيل المثال، أن الاقتصاد الأميركي قد يخسر ما يصل إلى تريليون دولار في النمو إذا تم تطبيق التعريفات على نطاق أوسع على التجارة بين الولايات المتحدة والصين، وستكلف القيود المفروضة على السياحة أو على الطلاب الصينيين الذين يدرسون في الولايات المتحدة ما بين 15 و 30 مليار دولار سنوياً.

خلاصة القول: من السهل أن تسخر من المنافسة بين القوى العظمى باعتبارها كلمة طنانة لا معنى لها أو عندما تعيد نخبة السياسة الخارجية في واشنطن اكتشاف أن الدول الأخرى تملك آراءها الخاصة في السياسة العالمية، ولكن كما كتب العالم السياسي روبرت كاجان مؤخراً: قد يكون السؤال الأهم في العقود القادمة هو ما إذا كان بإمكان البلدان “حصر المنافسة العالمية في المجالات الاقتصادية والسياسية وبالتالي تجنيب نفسها والعالم أهوال الحرب الكبرى القادمة أو حتى المواجهات المخيفة التي يمكن أن تقود لحرب باردة أخرى”، لذلك، فإن السعي الأعمى لاستراتيجية المنافسة بين القوى العظمى هو عمل غير مسؤول ومدمر.
في المرة الأخيرة التي اتبعت فيها الولايات المتحدة شعاراً سيئ التفكير كاستراتيجية، انتهى بها الأمر بخوض حرب عالمية على الإرهاب استمرت عقدين من الزمن، وهو صراع لا تزال تكافح للخروج منه، وللخروج من الأزمات المتتالية يمكن لإدارة بايدن الجديدة أن تتعامل بشكل أفضل مع حقائق المنافسة المعاصرة على أنها إحدى الطرق الممكنة لتحقيق أهداف محددة، بدلاً من أن تكون مبدأ أساسياً ينظم السياسة الخارجية الأميركية ويقودها إلى صراعات كارثية.
المصدر Foreign Policy

آخر الأخبار
"أدباء غزة..الشّهداء" مآثر حبرٍ لن يجف تقديم الاعتراضات لنتائج مفاضلة الدراسات العليا غداً  ضخ المياه إلى القصاع وجناين الورد والزبلطاني بعد إصلاح العطل بن فرحان وباراك يبحثان خطوات دعم سوريا اقتصادياً وإنسانياً السلل الغذائية تصل إلى غير مستحقيها في وطى الخان  باللاذقية إجراءات لحماية المواقع الحكومية وتعزيز البنية الرقمية  منطقة حرة في إدلب تدخل حيز التنفيذ لتعزيز التعافي الاقتصادي The NewArab: المواقع النووية الإيرانية لم تتأثر كثيراً بعد الهجمات الإسرائيلية الهجمات الإسرائيلية تؤجل مؤتمر الأمم المتحدة حول حل الدولتين قداح يزود مستشفى درعا الوطني بـ 6 أجهزة غسيل كلى   تعبئة صهاريج الغاز من محطة بانياس لتوزيعها على المحافظات إسرائيل.. وحلم إسقاط النظام الإيراني هل بمقدور إسرائيل تدمير منشآت إيران النووية؟ الهجوم الإسرائيلي على إيران ويد أميركا الخفية صناعيو الشيخ نجار وباب الهوى يتبادلون الخبرات  وزير المالية من درعا : زيادة قريبة على الرواتب ..  وضع نظام ضريبي مناسب للجميع ودعم ريادة القطاع ال... المبعوث الأميركي يستذكر فظائع الحرس الثوري في سوريا   الحرب بين إسرائيل وإيران.. تحذيرات من مخاطر تسرب إشعاعات نووية     معبر البوكمال يعود: سوريا والعراق يدشنان مرحلة جديدة من الانفتاح التجاري مع استمرار الحرب..  الباحث تركاوي لـ"الثورة": المشتريات النفطية الأكثر تأثراً