(قامات و إبداعات) هو عنوان المعرض الذي افتُتِحت به الأسبوع الماضي أحدث صالات العرض التشكيلي في دمشق تحت اسم (غاليري 13)، بإدارة مهندس الديكور ثائر الجندي الذي بدت لمساته الفنية الأنيقة واضحة على واجهة الصالة، وفي فراغها الداخلي.
شارك في المعرض الافتتاحي- كما العادة – مجموعة من الأسماء الشهيرة على الساحة التشكيلية، وتعيدني هذه الحالة إلى حديث قديم حول الصالات الخاصة ورد في بحث أعددته مطلع التسعينات عن العلاقة بين الفن والجمهور، وجاء فيه:
« … ونصل أخيراً إلى صالات العرض وهي التي أثارت جدلاً طويلاً خلال الأعوام القليلة الماضية التي شهدت افتتاح عدد من صالات العرض الخاصة، وكان هذا سبباً رئيسياً في زيادة عدد المعارض بشكل كبير، وبالتالي زيادة اهتمام الوسط الإعلامي والثقافي بهذه الظاهرة، فوُجِدَ من اتهمها بالمسؤولية عن تدهور الفن التشكيلي، كما وُجِدَ من أعطاها شرف نهضة هذا الفن. ودون الغوص فيما قيل عن هذا الموضوع فإنه من الضروري ملاحظة بضعة نقاط قبل توجيه الإتهام أو الثناء:
– إن حركة افتتاح الصالات لم تكن دائماً حركة متصاعدة، بل على العكس من ذلك هي حركة يسودها ارتباك واضح، فكثيرة هي صالات العرض التي افتتحت ثم أغلقت بعد وقت قصير.
– إن القسم الأعظم من أصحاب الصالات أو مدرائها الرواد، كانوا من الوسط التشكيلي وكذلك الأمر بالنسبة لبعض من جاؤوا بعدهم.
– إن صالات العرض اعتمدت على السمعة المسبقة لفنانينا التشكيليين ولم تقم هي بصنع سمعتهم.»
واليوم، وبعد ثلاثين سنة من النص السابق يبدو الحال كما كان عليه حينذاك، ومختلفاً إلى حد بعيد عما كانه قبل ذلك، فمفهوم العرض التشكيلي في سورية يعود إلى منتصف القرن الماضي، غير أن هذا لم يكن يتم في صالات متخصصة، وإنما في المتحف الوطني بشكل أساسي، وفي بعض المدارس الكبيرة، والنوادي الثقافية الخاصة، وقد تم تطوير صالة المعارض في المتحف الوطني بدمشق لتستضيف المعارض الكبيرة، والهامة، وفي مقدمتها المعرض السنوي، فيما ضمت المراكز الثقافية الحكومية، وكذلك التابعة للسفارات الأجنبية صالات عرض صغيرة نسبياً رغم أهمية ما تعرض في أحيان كثيرة، أما الصالات الخاصة بمفهومها التخصصي فقد بدأت كحالات متفرقة نادرة في ستينات القرن الماضي، ومن أهمها صالة الفن الحديث للفنان دعدوش مطلع الستينات، وصالة (الصيوان) التي تأسست عام 1962 بإدارة الفنان غياث الأخرس والسيدة منى أسطواني، ثم شهدت هذه الصالات انتشاراً كبيراً مع مطلع التسعينات بحيث صارت ظاهرة لافتة للنظر، لكن هذه (الفورة) لم تدم طويلاً فتحول كثير من الصالات الحديثة إلى محال تجارية، واستمرت في الميدان بضع صالات خاصة في دمشق، وأقل منها في حلب، وصالة واحدة في كل من اللاذقية والسويداء.
مع مطلع القرن الجديد شهدت الحياة التشكيلية السورية ظاهرة جديدة، في دمشق تحديداً، تمثلت بالصالات العملاقة التي تمتلك قدرة مالية كبيرة سمحت لها باحتكار نتاج عدد من التشكيليين المتميزين، وقد أدى ظهورها إلى تراجع دور، وحضور، الصالات السابقة التي خفتت حيويتها، وخاصة بسبب قدرة تلك الصالات العملاقة على تسويق أعمال الفنانين السوريين في المحيط الإقليمي، وفي دول الخليج خاصة، مما أدى إلى رفع أثمان أعمال بعضهم بدرجة كبيرة، غير أن الحرب التي شُنت على سورية منذ عشر سنوات غيرت حال الجميع، فتوقفت صالات العرض بمجملها عن العمل، وأغلق بعضها الأبواب إلى زمن غير معلوم، وانتقل تسويق الأعمال الفنية السورية إلى الجوار اللبناني، وإلى بعض دول الخليج، فيما غابت المعارض بشكل شبه كلي عن الصالات الخاصة، عدا حالات نادرة ومبعثرة، وعلى هذا فإن ولادة صالات جديدة مثل حال (غاليري 13)، ومن قبلها (زوايا)، وعودة بعض الصالات القائمة سابقاً لاستئناف نشاطها أمر يبعث التفاؤل من وجهة النظر الثقافية، فإذا كنا نعترف بأن ظاهرة صالات العرض إنما هي نتيجة تحولات اقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى، فإن ما يعنينا هو دورها في خلق العلاقة بين الفن التشكيلي والجمهور، وقد تكون في هذا المجال الحلقة الأكثر أهمية إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن أعمال التشكيليين السوريين تجد طريقها إلى الجمهور أساساً عبر المعارض، لا عبر الكتب والمجلات، من هذا الجانب تنبع أهمية صالات العرض التي هي حتى في جانبها التسويقي الخيار الأفضل، مقارنة مع تجار اللوحات الذين لن يتاح للجمهور مشاهدة ما يشترون من إبداعات فنانينا ويبيعون.
وكما نجحت بعض الصالات الخاصة في تقديم تجارب شابة وجديدة إلى الحياة الثقافية، نأمل أن تنجح بذلك الصالة التي نحتفي اليوم بولادتها الأنيقة.
إضاءات – سعد القاسم