الثورة أون لاين- حسين صقر:
من المعروف والسائد لفترة طويلة، أن ما يوجد في الدماغ من مسارات وقنوات يبقى ثابتاً، لكن الدراسات الحديثة أكدت العكس، لأن الدماغ متغيرٌ دائماً، ويستطيع تجديد ذاته، وذلك عبر ما يسمى المرونه العصبية، أو قدره الدماغ على تعديل نفسه من خلال مسارات عصبية جديدة وإلغاء أخرى قديمة، وهكذا نستطيع تغيير ما يتعلق بشخصيتنا.
في الدماغ يوجد مليارات المسارات العصبية والشبكات بين تلك المسارات، وعندما تقوم بعملها الجديد تبدأ بالبناء والتشابك، أي ما يسمى ببناء المسارات، ولاسيما أن هناك اعتقاداً سائداً بأننا لا نطور أنفسنا وحياتنا، ولانستطيع تعلم مهارات جديدة كقيادة الدراجات أو السيارات أو السباحة و الحياكة ورياضات وأعمال يدوية أخرى.
ومن السائد أيضاً أن أكثر المسارات العصبية تنشأ في السنوات الخمس الأولى من حياتنا، وهنا يكمن دور الأهل إما باستخدام تلك المسارات العصبية وتطويرها، أو المساهمة بزوالها.
وحول هذا الموضوع قالت السيدة رهف حمود المعالجة النفسية والمختصة بإعادة التأهيل الحركي: من المؤكد أننا كل يوم نتعلم شيئاً جديداً فيما يتعلق بالمرونة العصبية، ومهما تقدم بنا العمر نستطيع بناء مسارات عصبية بأبسط السبل، وأسهل الطرق، فكيف يتم ذلك؟
وأضافت يمكننا مثلاً استخدام عدة طرقات أو منافذ للوصول إلى عملنا، أو أن نجلس بالشمس، بالإضافة لتناول الطعام الصحي وتخفيف السكريات و الاعتماد على الخضروات الطازجة والفواكه والبروتينات وبعض الكافيين والشاي الأخضر والتوت، فلهذه القضايا والمواد دور كبير بالمساعدة على بناء مسارات عصبية جديدة، بالإضافة لتعلم كلمات حديثة من القاموس، كذلك القراءة والكتابة وممارسة الرياضة، فجميع هذه الأشياء تساهم في بناء تلك المسارات، وذلك في جميع المراحل العمرية، وهو ما يحفز الدماغ على الحركة الدائمة، و وإجراء التعديل، وكل ما يؤدي بالنتيجة إلى المساهمة في شفاء النفس والتخلص من الأمراض، و تعلم المهارات وتغيير نمط الحياة والتفكير والسلوك والمشاعر، وتجاوز القلق والتوتر، وبناء شخصية قوية، كما يؤدي إلى تغيير كافة سلوكيات الحياة، وأيضا من الأشياء التي تحفز على مرونة الدماغ التأمل والتخيل و الرياضة بأنواعها وكسر الروتين، سواء بالخروج من المنزل إلى العمل أو العودة منه، وتغيير عادات النوم والسهر والاستيقاظ، والاستماع للموسيقا، ومحاولة تعلم العزف على إحدى آلاتها.
وأضافت حمود، صحيح أن تعلم تلك الأشياء قد يكون بطيئاً، وليس بنفس الخطوات، لكنه سوف يتم بالتأكيد لأنه طالما استطعنا بناء مسارات عصبية جديدة، فلن نشيخ بسرعة، ويبقى الدماغ صغيراً في العمر ويسمى الدماغ الشاب، ويمكن أن يكون عمري ستين عاماً، وشكلي أربعينياً، فعندما أعتني بنفسي وأطبق كل تلك الإجراءات أصل إلى النتيجة المرجوة في الوصول إلى المرونة العصبية.
وأوضحت أنه عندما نعرف تلك الأسرار ونعمل بطريقة بسيطة وأنيقه، ونطور ذواتنا، تتغير حيواتنا، و سوف نرى أن بدايات جديدة بدأت تظهر، حتى لو وصلنا إلى سن التقاعد نعمل يوماً في البستان ويوماً نتعلم الطبخ، وآخر نساعد الأبناء والأحفاد والجيران، فكل هذه الأشياء تساعدنا على الشفاء السريع حتى لو أصابنا المرض، وبالنتيجة يقل الاكتئاب والخوف والغضب، أي أن نمرن أدمغتنا على أنها عضلات.
وختمت حمود: كل يوم يتم التطوير والتغيير، ولمن يريد التغيير، فذلك يحصل خلال 66 يوماً، وسوف تظهر النتائج من أول اثنين وعشرين يوماً، حيث يقوم الدماغ بتكسير الشبكة القديمة، وبالاثنين والعشرين الثانية يبني الشبكة الجديدة، و في الثلث الأخير تصبح الشبكة الحديثة جزءاً من الدماغ، و بهذه الطريقة نبني مسارات مختلفة ومتطورة ونحافظ على دماغ صغير، وكل من حولنا سوف يتأثر بنا إيجابياً.
وهذا مايسمى المرونة العصبية أو اللدونة العصبية أو مطاوعة الدماغ، أي قدرته على تعديل روابطه أو تغييرها، ودون هذه القدرة لن يستطيع أي دماغ سواء كان بشرياً أو دماغ أي كائن آخر أن يتطور من الطفولة إلى مرحلة البلوغ أو أن يشفى من إصابة لحقت به