الثورة أون لاين:
كانت العرب تقول قديماً الليل أستر للويل والخبايا.. تحاك فيه القصص والمؤامرات ليكون النهار مسرحها.. هل نذكر بألف ليلة وليلة وغيرها..؟
أمس وأنا أحاول ترتيب بعض ركام الكتب عثر بي كتيب صغير حمل عنوان.. أحاديث منتصف الليل.. لمؤلفه الدكتور حسين مؤنس.. تذكرت أني اشتريته من مكتبة الرصيف من عقود.. ووضعته بين الأكداس التي ظل بعضها ينتظر.
اليوم عدت إليه بدأت بقراءته.. لكن صفحاته ما زالت متلاصقة لم تحررها مكنة القص ولا يدا من اشتراه.
وظل ينتظر تحرير ورقه إلى اليوم.. صدر الكتاب عام ١٩٧٧م ضمن سلسلة كتاب الهلال..
الكتاب جمع الكثير من الأحداث المهمة التي وقعت منتصف الليل شرقاً وغرباً.. قديماً وحديثاً..
بدأ الكاتب د.حسين مؤنس كتيبه هذا بتقديم جميل استهله باقتباس قول مونتسكيو.. أن التاريخ يرسم في الليل وينفذ في النهار..
وعن نابليون ينقل قوله : إنني أكسب معاركي بالليل..
و الحق كما يقول مؤنس أن الكثير جداً من أحداث التاريخ صنع فعلاً في الليل..
عندما كان الذين يصنعون التاريخ جبابرة يخدمون أنفسهم دون نظر الى صالح وطن أو قواعد أخلاق في الليل يجلسون مع أنصارهم وندمائهم ويقررون ما يريدون.. وفي الصباح يفاجأ الناس بالأحداث دون أن يفهموها.
أما اليوم فقد تغيرت الحال..
ويعرض مؤنس لجرائم وقعت منتصف الليل منها مثلاً أنه قد حدث مرة أن سلطاناً قتل بتدبير وزرائه في الفجر واختار المتآمرون السلطان الجديد ومضى هذا فصلى الفجر ودماء صاحبه على يديه.
وفي الصباح أعلن الوزراء أن السلطان المأسوف قضى ليلاً وغادر الدنيا مبروراً مرضياً عنه وأنه مضى إلى جنة الخلد.. في الوقت الذي كانت جثته في الحقيقة موضوعة في كيس ألقي به في جب ماء سحيق.
يبدأ الكتاب بسرد تفاصيل آخر يوم بحياة أحمد شوقي أمير الشعراء وكيف وبعد منتصف الليل رحل الشاعر في ١٤ تشرين الأول عام ١٩٣٢م.. يمضي الكتاب ليقدم الكثير من الحكايا التي وقعت منتصف الليل مع كتَّاب وسياسيين وشعراء…
هذا الليل الذي جمعه حسين مؤنس، أما ليل جبران خليل جبران فهو أمر آخر.. بهاؤه وجلاله.. وفي الشعر العربي ثمة مساحة واسعة لليل من الملك الضليل امرئ القيس، إلى نازك الملائكة في ديوانها عاشقة الليل..
ومن باب الطرفة والواقع الذي فرضه العمل من بعد مع توفر التيار الكهربائي استيقظ الثالثة ليلا لأكتب وأرسل ما يكتب لأرهق مديري التحرير الزميلين معد عيسى وبشار محمد..
ولكني حتى الآن لم أرسل لهما شيئاً من فصول هذيان منتصف الليل.. ولهذا أمر آخر