الثورة أون لاين:
ثمة من يرى أن الصراع الذي يشهده العالم منذ أن كان الصراع ليس إلا صراعاً ثقافياً بين حضارات متعددة.. ثقافات تريد أن تسمو بالإنسان والإنسانية، وأخرى تريد أن تخضع الثقافات الأخرى لسيطرتها ومسخها وجعلها تدور في فلكها.
وهذا يعني بالتالي تبدل القيم والانحراف بها إلى حيث يريد الغازي إذا ما انتصر.. الحرب العسكرية المباشرة كانت الأداة الأولى لهذا اللون من العمل الاستلاب.
اليوم تغيرت المعطيات وتعددت وسائل الحروب وظهر ما سمي حروب الأجيال الناعمة، مستخدمة كل وسائل الفتك والإغراء والغزو الإعلامي والثقافي للوصول إلى الاستلاب الثقافي.
دخل علم النفس والطب والتقنيات وكل ما تنتجه الحضارات من علوم في هذا الأمر.
ولابد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية كانت هي السباقة إلى هذا اللون من الحروب وقد ظهر ذلك منذ عمل علماؤها على ما أسموه( هندسة السلوك الإنساني ).
نعم هندسة الإنساني فالإنسان غدا في المفهوم الأميركي مجرد سلعة أو آلة يمكن أن تصمم كما نريد وتستخدم كيفما شئنا.. وحين نريد تغير تصميمها ونبرمجها كما يحلو لنا.
كان في ريادة هذا اللون من الهندسة الاستلابية عالم النفس الشهير سكينر الذي وضع كتاباً على غاية من الخطورة في هذا اللون من التعديل السلوكي.. اسماه.. تكنولوجيا السلوك الإنساني.
وفيه يفرد مساحة كبيرة لما أسماه تطور الثقافة.. تعامل من خلال هذا الطرح مع الثقافة وكانهأ آلة تدار بدقة وتوجه حسب ما يريد المصمم.. يجرب إلى أن يصل إلى الأنموذج الذي يرضيه..
يقول سكينر: يتم اصطفاء الثقافة كما يتم اصطفاء النوع على أساس تكيفها مع البيئة، وبمقدار ما تساعد أعضاءها في الحصول على ما يحتاجون وفي تجنب ما هو خطر فإنها تساعد على البقاء ونقلها..
ويرى أن الثقافة تقرر الكثير من الخصائص البيولوجية المنقولة ولولا هذه الثقافات لفشلوا في التكيف وليس كل ممارسة في ثقافة أو سمة في أحد الأنواع قابلة للتكيف ولكن الثقافات والممارسات غير القابلة للتكيف قد تعمر طويلاً.
ويربط سكينر بين التطور البيولوجي والثقافي ويمكن ملاحظة هذا التطور كما يقول في الثقافات أكثر من غيرها وهنا يصل إلى استخدام مبدأ الداروينية الاجتماعية.. والبقاء للأقوى، فالحروب قامت لهذه الغاية.. وهنا يطرح تساؤلاً: لماذا لا نتطلع إلى ثقافة تصبح سيدة الثقافات؟.. صحيح أن الناس يقتل بعضهم بعضاً وكثيراً ما يكون هذا الاقتتال بسبب ممارسات تبدو وكأنها تحدد الثقافة، والحكومات تتنافس فيما بينها ويشار إلى الوسائل الرئيسية بواسطة الميزانيات العسكرية..
وحسب سكينر يثير تطور الثقافة بعض الأسئلة حول ما يدعى( القيم )وهي أسئلة لم نقم بالإجابة عليها إجابة كاملة. هل تطور الثقافة(تقدم)؟ ما هي أهدافه؟ هل الهدف نوع من النتائج مختلف تماما عن النتائج -حقيقية كانت أم زائفة-التي تغري الأفراد بالعمل على بقاء ثقافتهم؟
يجيب سكينر على السؤال من خلال التطور الطبيعي لكل شيء، بمعنى آخر يربط الثقافي بالمادي ليصل إلى نقطة لارجعة فيها ألا وهي العمل على تصميم لون من الثقافة يعمل على تغيير بيئة القيم الاجتماعية التي كانت سائدة.. وهذا له حديث آخر