الثورة – لميس علي:
“لا أحد في يومنا هذا هو شيء واحدٌ بحت.. تسميات مثل: هندي أو امرأة، أو مسلم، أو أميركي ليست أكثر من نقاط انطلاق.. البقاء في الواقع هو عن الروابط بين الأشياء”.
ناقش المفكر الفلسطيني الأميركي إدوارد سعيد، بغلافٍ ثقافي عن الرواية والأدب عموماً، مفهوم الهوية ضمن كتابه (الثقافة والإمبريالية)، معتبراً أن الانتماء ليس هوية مغلقة/ جامدة، بل هو شبكة من العلاقات والأصول التي تصنع الذات.
لا يعني ذلك أنه لا يهتم بالانتماء للأرض والهوية الأصل/ الأولى للإنسان، بل يعني أنه ضدّ الهويات الجامدة والانتماءات الضيقة، بما يضمن انتماء الفرد لرؤية إنسانية ما بعد استعمارية.
هو لا يرفض التجذّر بل يرفض احتكاره، فلا أحد يملك الأرض بل الأرض تمتلك ذاكرتنا.. وعلى رأيه نحن نُعرّف بالمكان الذي لا يمكننا العودة إليه.. وبالتالي الأرض ليست شيئاً جامداً أو ملكية مادية، بل مركز للذاكرة والهوية والانتماء.. بمعنى أنه يمنح الأرض بعداً نفسياً وإنسانياً.
بنفس الوقت، نتماهى مع فكرة “الانتماء” عبر الغياب كما الحضور.. وربما في الغياب أكثر لأنه يتجسد في الحنين أكثر من التملّك.. ويتحقق عبر الارتباط الوجداني والتاريخي وحتى الرمزي لها، في حالتي الفقد والمنفى.
لكن هل يمكننا الحديث عن الانتماء من دون ذكر (الهوية)..؟
بالنسبة لإدوارد سعيد فيُذكر عنه نقده المتكرر للهوية الجامدة التي رأى فيها فكرةً تقود لتجزئة العالم إلى ثقافات معزولة، لأنها تعزز معنى الهوية الثابتة التي لا تتغير أو تتطور.. فالهوية لا تُمنح أو تُورّث، بل تبنى عبر “سردية تُروى”، نقد للذات و”انكشاف مستمرٌ على الآخر”.
يقترب هذا الفهم للهوية مما عبّر عنه الشاعر والمفكّر أدونيس، منتقداً الهوية بصفتها شيئاً يورّث.. وهو ما يؤكّد فكرة “الانتماء” كمشروع ثقافي مفتوح، برأيه الهوية تكمن فيما يعمل المرء ويبدع.. وبالتالي هي شيء يُصنع.
أيضاً لم يبتعد محمود درويش عن المعاني التي تحدث عنها كل من “سعيد، أدونيس” .. فيرى في الهوية: “هي ما نورّثه لا ما نرثه.. الهوية هي ما نبتكر”، ويضيف في إحدى مقابلاته “هي التجدّد الدائم لما نظنه نحن”.
“التجدد، الانكشاف على الآخر، والإبداع” كلها مفاهيم تضيف أمداء لمعنى الهوية.. تلك التي رأى فيها أمين معلوف أنها لا تُختزل بانتماء واحد..”فكل شخص دون استثناء يتمتع بهوية مركّبة.. وفي داخل كل إنسان تلتقي انتماءات متعددة”.
ومع كل ذلك، فالانتماء ينبغي أن يكون “جسراً نعبر به نحو الآخرين”.
هو سؤال مفتوح.. يُروى بالحكايات لا بالتعريفات.. ووحده الانتماء الذي لا يكتمل، يدفعنا لنكتب، لنروي، لنعيد تشكيل الهوية كأننا نخترع أنفسنا من جديد.