الرئيس الأميركي جو بايدن يطالب الكونغرس بـ715 مليار دولار للبنتاغون لمواجهة روسيا والصين، وفريقه المفاوض في فيينا يبذل جهودا مضاعفة لانتزاع تنازلات من إيران بما يخص ملفها النووي، ووزارة خارجيته بصدد تشكيل ما يسمى فريقا خاصا لبحث خيارات التعاطي مع الحرب الإرهابية على سورية، فيما ماكينته الإعلامية المضللة منكبة على تبييض صفحة إرهابيي ” النصرة” ومتزعمها الإرهابي ” الجولاني”، وكل ذلك يعني أنه رسم خطوط استراتيجيته الخارجية مسترشداً بإرث سلفه ترامب، خلافا لكل ادعاءاته السابقة بأنه سيعمل على محو وصمة العار التي خلفتها تلك السياسة المدمرة للعلاقات الدولية، هو فقط رمم العلاقات مع الأتباع الأوروبيين ليكونوا عوناً وسنداً له “لترقيع” الهيبة الأميركية الممزقة.
الميزانية العسكرية الضخمة التي طالب بها بايدين تنوف قليلاً عما أقره سلفه ترامب قبل نحو عام، وعندما يكون الجزء الأكبر منها مخصصاً لمواجهة روسيا والصين، فهذا يدل على حجم مخاوف الإدارة الجديدة من قرب انتهاء الدور الأميركي في العالم، وهذا دليل عجز وتخبط في كيفية احتواء تعاظم القوتين الصينية والروسية، وسياسة ترامب الهوجاء شكلت جزءا من دفع تلك القوتين نحو هذا الصعود المتسارع، ولكن بايدن لم يستوعب بعد هذه الحقيقة، وبأنه رغم زيادة الإنفاق العسكري للبنتاغون، إلا أن روسيا والصين أثبتتا تفوقهما على الساحة الدولية، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وجمعتا حولهما حلفاء دوليين كثر، يشكلون ثقلا كبيرا في رسم مسار التوازنات العالمية الجديدة، وهو – أي بايدن- إنما يسعى بسياسته العدائية هذه لاستكمال نهج سلفه ترامب في تدمير العلاقات الدولية، ولكن النتيجة لن تكون أبدا في صالح الولايات المتحدة وأتباعها، نظرا لتعالي الأصوات الدولية المطالبة بكبح جماح التنمر الأميركي على العالم.
الميزانية العسكرية الأميركية، وكما جرت العادة يخصص عشرات ملايين الدولارات منها سنويا لدعم التنظيمات الإرهابية في سورية، وبايدن يبدو أنه خصص الجزء الأكبر من هذا الدعم لإرهابيي ” النصرة”، وهذا ما تدل عليه محاولات تلميعهم وتسويقهم كـ” معارضة معتدلة”، وقد سبق لـ جيمس جيفري أن اعترف قبل أيام بأن هذا التنظيم الإرهابي أداة استراتيجية لسياسة واشنطن في سورية، ووزارة الخارجية الأميركية سربت أخبارا على لسان أحد بلوماسييها بأنها ستشكل الشهر القادم فريقاً خاصاً مهمته بحث الخيارات الممكنة لتعاطي إدارة بايدن مع الحرب الإرهابية في سورية، والمقابلة التي أجراها مارتن سميث معد برنامج فرونت لاين على شبكة (بي بي إس) مع الإرهابي “الجولاني” تشكل العنوان العريض لتوجه هذه الإدارة، أي الاستثمار بجرائم هذا التنظيم الإرهابي، إلى جانب ” داعش” و” قسد”، وهذا معناه تعزيز التنسيق مع نظام أردوغان لجهة العمل على تكريس ادلب بؤرة دائمة لإرهابيي ” النصرة”، والتحضير لتكون المدينة منطلقا لتوسيع الهجمات الإرهابية على المناطق المحررة، بقصد مواصلة استنزاف قدرات الجيش العربي السوري، ومنعه من تحقيق انتصاره الناجز على الإرهاب، لأن هذا الانتصار ستبنى على نتائجه تكريس التوازنات الإقليمية والدولية الجديدة في المنطقة، وهي لمصلحة محور المقاومة، والدول الصديقة والحليفة لسورية في حربها على الإرهاب، وعلى رأسها بطبيعة الحال روسيا وإيران والصين.
سياسة العداء الأميركية المستحكمة ضد روسيا والصين وسورية، ليست منعزلة عن سياسة بايدن الحاقدة تجاه إيران، هو كذب بشأن نيته العودة إلى الاتفاق النووي، ويحاول عن طريق المراوغة التفوق على سلفه ترامب بانتزاع حقوق إيران النووية، وفريقه المفاوض في فيينا وضع الكثير من المطبات والعراقيل أمام طريق التوصل إلى اتفاق يفضي برفع جميع العقوبات، ولكنه عاد بخفي حنين إلى واشنطن، قبل استئناف المفاوضات يوم الاربعاء المقبل، وهذا يؤكد مجددا أن واشنطن، ورغم كل قوتها الغاشمة لم يعد بمقدورها تحريك دفة الأحداث وفق مشيئتها، فالعالم يتغير رغما عن إرادتها، ومهما رفع بايدن سقف إنفاق البنتاعون العسكري، ومهما تمادى براهنه على عكاز الإرهاب الأميركي، ومهما أوغل في سياسة العقوبات، فإنه سيلاقي ذات الفشل الذي مني به ترامب سابقا، أو بالأصح ذات الفشل الذي تراكمه الدولة العميقة في أميركا.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر