الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
تحافظ عملية التوثيق السمعي البصري على ذاكرة وطن (تاريخه ورجالاته وعلمائه ومبدعيه ومفكريه ..) فأمة بلا ذاكرة هي أمة بلا تاريخ ، من هذا المنطلق جاءت عمليات التوثيق لإنجاز أفلام عن الأحداث التاريخية والوطنية الهامة لتبقى شاهداً هاماً للأجيال وللزمن ، ولدى العودة إلى ما تم إنجازه على صعيد التوثيقي الفيلمي لمرحلة الاحتلال الفرنسي والجلاء نتلمس محاولات جدّية من عدد قليل من المصورين عايشوا تلك الفترة ، ومنهم نور الدين رمضان الذي قدم أشرطة سينمائية من تصويره وثق خلالها الأحداث الوطنية ولكن الرقيب الفرنسي كان يمنع ويحذف منها الكثير .
ولدى الحديث عن التوثيق السمعي البصري لابد من التوقف عند ما قدمه المخرج أمين البني من أعمال هامة في هذا المضمار ، ومما تناوله خلالها توثيق مرحلة الاستعمار الفرنسي والجلاء.. ويعتبر فيلمه (طريق الجلاء) المحاولة السينمائية الأولى لتوثيق تاريخ سورية النضالي خلال النصف الأول من القرن العشرين بدقة منذ نهاية الحكم العثماني وحتى الاستقلال ، والفيلم من إخراجه وكتب له السيناريو بالتعاون مع المخرج علاء الدين كوكش (إنتاج التلفزيون السوري 1976) وضم حوارات مع كبار رموز الثورات السورية خلال فترة الانتداب الفرنسي على سورية ، حيث قام المخرج بتوثيق أكاديمي وطني دقيق لمختلف محطات تاريخ سورية خلال النصف الأول من القرن العشرين ، وجمع الصور والوثائق المتوفرة في سورية والمتاحف والكتب التاريخية ، ولعل واحدة من أهم ميزات الفيلم توثيقه لجميع الأهازيج والأناشيد الوطنية في مختلف المحافظات السورية إبّان فترة الانتداب والتي كانت تحث الجمهور على المطالبة بالاستقلال.
شكّل هذا الفيلم مُقدمة لما قام به التلفزيون العربي السوري لاحقاً عبر جمع الوثائق الفيلمية والفوتوغرافية عن تاريخ سورية المعاصر من جميع مراكز الأرشيف التوثيقي في أوروبا ، والتي مهّدت لما أخرجه أمين البني لاحقاً في المجموعة الأولى والمجموعة الثانية من (مذكرات وطن) ، حيث قدم المجموعة الأولى من (مذكرات وطن) عام 1987 وشملت وثائق فيلمية متحركة من عام 1918 وحتى منتصف القرن العشرين ، وضمت تفاصيل أشمل وأكثر غنى عن مرحلة الانتداب الفرنسي والاستقلال ونضال الشعب وإصراره على وحدة الوطن رغم محاولات الاحتلال للتقسيم ، وتحدث عن ثورات صالح العلي وابراهيم هنانو والإضراب الشعبي الكبير عام 1936 وجلاء المستعمر . وتناولت الحلقة الأولى من المجموعة الثانية ضمن (مذكرات وطن) التي قدمت عام 2010 مراحل الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان بما في ذلك نضال الحركات الوطنية في المنطقة ضد الاستعمار وانتهت الحلقة عام 1946 بانتهاء الانتداب الفرنسي واستقلال سورية ولبنان .
ومن الأفلام الوثائقية التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما فيلم (ثورة الشيخ صالح العلي) إخراج عصام سليمان (إنتاج 1984) وتناول فيه نضال المجاهدين بقيادة الشيخ صالح العلي وتضمن الفيلم شهادات حية لمجاهدين عاصروا الثورة ضد المحتل الفرنسي وناضلوا جنباً إلى جنب مع المجاهد البطل, فحملوا السلاح ودافعوا عن الأرض ، فيلم (بين الوثيقة والراوي) إخراج عبد المعين عيون السود (إنتاج 1982) وتم فيه تقديم صور موثقة عن الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش وطرح شهادات المجاهدين بعد الجلاء ، إضافة إلى فيلم (الباشا) سيناريو وإخراج غسان شميط (إنتاج 2013) والذي تناول حياة المناضل الكبير سلطان باشا الأطرش وجاء الفيلم غنياً بالمعلومات والوثائق إن كانت صوراً ثابتة أو متحركة أو شهادات متنوعة مقدماً مسيرة نضاله ضد المحتل الفرنسي ومعرجاً على معركة المزرعة (2 آب 1925) وفيها قُتِل آلاف الجنود الفرنسيين وبعدها معركة المسيفرة ومعارك أخرى سُطّرت فيها البطولات ، واستطاع المخرج أن ينتقل من الإطار الخاص إلى الإطار العام والحديث عن تاريخ المنطقة والنضال ضد المستعمر ، كما تحدث فيلم (مسيرة وطن) إخراج نضال دوه جي وتأليف محمود عبد الكريم (إنتاج2014) عن حكاية الجيش العربي السوري منذ تأسيسه على يد وزير الحربية يوسف العظمة . وانجز قسم السينما في الإدارة السياسية أفلاما منها فيلم (عيد الجلاء) ، وأنتج القطاع الخاص عام 2010 فيلم ديكودراما بعنوان (شمس الجلاء) إخراج رامز المحيثاوي ونص منهال الشوفي وتناول كفاح السوريين ضد الفرنسيين والأتراك من أجل الحرية والاستقلال ، واستعرض النضال الوطني في سورية وبطولات المجاهدين في مختلف أنحاء سورية.