الثورة أون لاين – ريم صالح:
قبل 75 عاما كتب السوريون نصرا جديدا على قوى الغزو والاحتلال، بعدما دحروا المستعمر الفرنسي عن أرضهم، وهم اليوم يعيدون كتابة التاريخ مجددا بانتصاراتهم المتلاحقة على التنظيمات الإرهابية التي تشكل أدوات الاستعمار الغربي الجديد، مستلهمين قوتهم وعزيمتهم من رجالات الاستقلال وزعماء الثورة السورية وأبطالها، وفي طليعتهم يوسف العظمة وسلطان باشا الأطرش وحسن الخراط وصالح العلي وإبراهيم هنانو وأحمد مريود وغيرهم من الأبطال الذين أثبتوا بتضحياتهم الجسام أن الجلاء كان نصرا مؤزرا صنعته تضحيات شعبنا الذي كان كفاحه البطولي مضرب مثل لشعوب العالم الطامحة لحريتها واستقلالها.
وبين تضحيات أبطال الاستقلال وملاحمهم الأسطورية في مقارعة المحتل الفرنسي، وبطولات وتضحيات رجال الجيش العربي السوري في معارك التحرير ضد التنظيمات الإرهابية وداعميها في الغرب الاستعماري، تأتي الذكرى الخامسة والسبعين لجلاء المستعمر الفرنسي عن أرض سورية الطاهرة، لتؤكد تمسك أبناء سورية بخيارهم المقاوم للدفاع عن وطنهم وأرضهم، وإصرارهم على دحر المؤامرات والمخططات الاستعمارية مهما تبدلت أشكال المستعمرين الجدد وتغيرت أدواتهم وتلونت شعاراتهم، حيث يواصل السوريون خوض معركة المصير، ويقفون صفا واحدا إلى جانب الجيش العربي السوري في مواجهة الحرب الإرهابية القذرة التي تشنها قوى الاستعمار القديم والجديد، والتي تنوعت أشكالها بدءا من الاعتداءات العسكرية على الأرض، والجرائم التي يرتكبها الاحتلالان الأميركي والتركي، والمرتزقة الإرهابيون، مرورا بسياسة التضليل الإعلامي لتشوية حقيقة الأحداث وفبركة الأكاذيب، وصولا إلى الإرهاب الاقتصادي، عبر سياسة فرض الحصار الخانق الذي يستهدف السوريين في لقمة عيشهم، وسرقة الثروات الوطنية، وحرق المحاصيل الزراعية.
وفي الحديث عن قيم الجلاء ومعانيه الخالدة، لا بد أن نستذكر معركة ميسلون غير المتكافئة في الرابع عشر من تموز عام 1920، والتي جاءت ردا على ما يسمى إنذار غورو، والتي قادها وقتذاك البطل يوسف العظمة، حيث شكلت تلك المعركة النواة الأولى لما واجهه الاحتلال الفرنسي لاحقا من مقاومة وصمود على أيدي الشعب السوري طوال سنوات الاحتلال إلى أن توجت بالنصر وطرد آخر جندي فرنسي في السابع عشر من نيسان عام 1946، وهذا الجلاء تم بفضل التلاحم الوطني الذي أبداه السوريون على امتداد جغرافيا الوطن رغم محاولات الاستعمار حينها زرع الفتنة بين صفوفهم، لكنهم ضربوا أروع الأمثلة في البطولة والفداء، وهو ما جسدته ثوراتهم الوطنية التي فجروها بوجه المستعمر الفرنسي في الشمال وجبال الساحل وحوران وجبل العرب والزاوية ومنطقة الجزيرة وحماة وغوطتي دمشق.
ولابد أيضا من استحضار دور رجال الفكر والعلم في تلك المرحلة، حيث لعبوا دوراً مهماً في المنابر المحلية والعربية والعالمية في الدفاع عن سورية وحاضرها ومستقبلها، وما قام به المناضل والمفكر السوري فارس الخوري أثناء ترؤسه الوفد السوري في الأمم المتحدة وجلوسه على الكرسي المخصص لفرنسا خير مثال على ذلك، حيث أثار ذلك غضب المندوب الفرنسي ومندوبي بقية الدول، فقال لهم حينها مقولته الشهيرة: “جلست على مقعدك لمدة خمس وعشرين دقيقة فكدت تقتلني غضباً وحنقاً، سورية استحملت سفالة جنودكم خمساً وعشرين سنة وآن لها أن تستقل” ليأتي قرار الأمم المتحدة في نفس الجلسة بإنهاء الانتداب الفرنسي على سورية.
الوحدة الوطنية التي لازمت السوريين طوال تاريخ وجودهم، هي التي حققت نصر الجلاء من قبل، ولابد أنها ستنجز النصر النهائي على الإرهاب اليوم، فمدرسة الجلاء رسخت أساسات متينة للوحدة الوطنية، كما رسخت عظمة التضحيات التي تُبذل للدفاع عن أرضنا وحقوقنا وسيادتنا الوطنية واستقلالنا، وستبقى معارك الشرف والبطولة في الثورات السورية التي حققت الجلاء، مصدر عز وفخر للسوريين، وستبقى كذلك مصدر إلهام وقوة لإنجاز النصر الكامل على الإرهاب، ودحر الغزاة والمعتدين.