الثورة أون لاين – رنا بدري سلوم :
هل أجدنا تدوين تاريخ سورية النضالي وعرض حقائقه؟ هل وظف أدباؤنا نتاجهم الأدبي في تشكيل ملاحم جلاء المستعمر عن أرضنا؟ وكيف أجادوا صياغة نتاجهم وفقا لما تتطلبه فنون القصة والرواية، وبالتالي مقاربة اليوم بالأمس في دحر الاحتلال الفرنسي 1946 م
برأي الروائي والقاص الزميل داوود أبو شقرة أن الروائيين في سورية لم يفوا قصص البطولات و الجلاء حقها، بل قلّة منهم من كتبوا عن جلاء المستعمر ولعل أهمهم “فارس زرزور والعجيلي” وغيرهم وعلى ما يعتقد أبو شقرة أنها نسبة قليلة مقارنة للاحتلال “العثماني والفرنسي” اللذين داما أربعمئة عام ونيف، مشيراً إلى القصص القصيرة التي تناولت بطولات الثورة السورية الكبرى والتي كانت تنطلق بمجرد أن يعلو صوت “وين راحوا النشامى” وقد وصفها الضابط الفرنسي “اندريا ” في كتابه قائلا : “كنا نواجه أشباحا تتقن فنون القتال تتلبس الأرض تشتبك معهم وينتصرون علينا ربما بعامل الخوف الذي زرعوه في جنودنا “، ويؤكد أبو شقرة أن كثيراً من مذكرات الضباط الفرنسيين كالضابط “كاربيه” الذي حكم الجبل ومارس على الأهالي أشد أنواع الظلم والاستبداد، كتب وصيته في نهاية مذكراته التي أصبحت كتاباً بأن يدفن في جبل العرب لما تعلّمه من الثوار السوريين المثل العليا والشجاعة والفروسية، فقد أثبت السوريون أن الثورة السورية ليست ثورة محلية بل عامة وصلت إلى أصقاع الأرض عبر الأدب المؤرخ وهو ما دونه في الكتاب الفرنسي “السجل الذهبي لجيوش فرنسا في الشرق”، أما عما تناوله أبو شقرة في نتاجاته الأدبية يقول: كتبت قصصاً قصيرة تحكي وقائع الجلاء قصة ” الدرك” و”عصا جديع” ” و “حمار أعرج ” ثلج في السويداء” التي تحدثت عن بطولات الآباء والأجداد، إضافة إلى مخطوطتين تسلط الضوء على مناطق لم يذكرها التاريخ، “وقائع مجهولة” عن الثورة السورية الكبرى ومخطوطة “حرب اللجاة”، أما الروايات التي تناول فيها أبو شقرة بطولات الأجداد ” جسر اللوا” ” جندي فائض عن الحاجة ” “ريحان” “يرزقون”. خاتماً بالقول الأدب هو المؤرخ الحقيقي لضمائر الشعوب فهو ينبض بشخصيات حية من لحم ودم.
أما القاصة والروائية سوسن رضوان تؤكد أن انتصارنا بعد حرب دامت عشر سنوات ما هو إلا استكمالاً لانتصارنا على مستعمر طمع بأرضنا وعاث فساداً فيها وانتصرنا عليه عام 1946، حين قدم جيشنا الباسل الغالي والنفيس ليبقي عزة قاسيون وفخر بردى على شاهقات العزة والفخار، فكل الشرفاء الذين تنفسوا هواء بلادي كان لهم دور في هذا النصر فمنهم من حمل السلاح وقاتل ومنهم من حمل الرغيف وعجن خبز الخير ومنهم من حمل القلم وسطر ملاحم الفخار، فكانت انتصارات بلادنا معيناً سكب فيه الأدباء ما فاضت به الروح طرباً وعزة فأشرقت شمس الحرية بعدما رزحت البلاد تحت نير الاستعمار، فإن ما مرت به سورية منذ حوالي سبعين عاماً ونيف هو ما تجلى في حربنا الأخيرة مع مستعمر استخدم أذنابه الحثالة والتي استمرت عشر سنوات، ولقد عرضت أقلام الأدباء ما مرّ على تراب الوطن منذ قرن من الزمن وتفتحت قرائحهم كما تتفتح بذار الأرض لشمس الفرح . لقد وقف الأدباء على الضفة المقابلة لحملة البنادق المدافعين عن الأرض والعرض فكان للقلم فعل الرصاصة وللقصيدة والحكاية وجع الثكالى .
القاص حسّان علي عضو الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين فرع سورية يرى أن للمثقفين والكتاب كلمتهم الفصل في ماضي الأجداد وفيما جرى من أحداث في سورية إبان تعرضها للحرب الإجرامية والمؤامرة الكونية ضدها وقد جاءت كتاباتهم ولاسيما الروائيين والقاصين كاشفة للمواجع والمآسي والآهات ومتمسكة بالحقوق الوطنية والقومية وكان لموقفهم دور رائد وطليعي ومبدئي إزاء الإرهاب وتبعاته، ويؤكد علي أن الأدباء خلّدوا تاريخ النضال السوري منذ اليوم الذي نالت فيه استقلالها وحريتها وكان لابدّ أن تجود قرائحهم بقصائد ووجدانيات وقصص وروايات تخلّد هذه الذكرى، حاملين الأدباء الشباب قضيتهم في جوارحهم بل وعاشوا المأساة وواجهوا الإرهاب في مخيماتهم وتجمعاتهم قولاً وعملاً وجهاداً ومقاومة إذ كتبوا سرديات وقصص وروايات جاءت صادقة وواقعية لأنهم عايشوها وجسدوا تفاصيلها لحظة بلحظة لتكن عبرة للأجيال القادمة.
بينما تشير القاصة حنان الحلبوني إلى الأدباء السوريين الذين أبدعوا في نسجِ رواياتٍ تدور أحداثها حول فكرة الجلاء والمقاومة ضد الاحتلال الفرنسي، وتوثيق تلك المرحلة المهمة، فالرواية من حيث طبيعتها السردية يمكن أن تحتمل الواقعية، وتكون وثيقةً وتأريخاً لتلك الفترة الحاسمة التي أنهت حقبةً بغيضةً من الاستعمار، كذلك الأمر مع الشعر الكلاسيكي الذي سجّل أحداث تلك المرحلة واحتفى بها، إلا أن الأمر يختلف تماماً في القصة القصيرة والشعر الحديث، حيث الرمزية والخيال والإيحاء وفقاً للحلبوني، قائلةً: حين أكتب عن الوطن أقول: دمشق، فدمشق بالنسبة لي هي اختصارٌ لوطنٍ شاسع الأرجاء، وطنٍ لم يكد يستيقظ من ليلته الظلماء ويحتفي بخلاصه،
حتى تكالبت عليه الوحوش من كل حدب وصوب، مبينة الحلبوني أن الأدبُ حامل همّ الوطن الذي لا يمكننا التخلي عنه ولا احتمال الألم الذي يسببه ،