بسبب الذوق الأدبي لمعظم الفنانين أصبحت الصحافة الإلكترونية، التي تتناول الفن التشكيلي، مليئة بالعبارات التقريرية المباشرة، التي لها علاقة بكل شيء ما عدا الفن التشكيلي، والفنان التشكيلي (وخاصة الذي لا يعترف بوجود نقد) عندما يبتعد في كتاباته وأحاديثه عن اللغة التقريرية والأدبية، غالباً ما يقع في فخ أو في هاوية الحوار المقطوع عن عمله الفني، حين يطلق عبارات مزاجية غير مسؤولة لا تمت إلى لوحاته بصلة، فكم من مرة نقرأ في حوار صحفي مع فنان تشكيلي بأنه يحاول في لوحاته ـ على سبيل المثال ـ الوصول إلى انفعالية لونية غنائية، دون أن نجد في لوحات هذا الفنان أدنى علاقة بالغنائية والانفعال اللوني، ويزداد هذا الشعور عندما نعلم، أن هذا الفنان الذي يتحدث عن الانفعالية والتلقائية في لوحاته، يعتمد على لغة المسطحات اللونية والهندسة العقلانية والتصميم المدروس، البعيد كل البعد أو المناقض للعبارات النقدية التي استعارها في الغالب، من مقالات نقاد لا يعترف بقدراتهم الإبداعية، وألصقها بلوحاته دون أدنى شعور بالمسؤولية، أو دون أن يكون لهذه العبارات والمصطلحات علاقة بلوحاته وبخطة التشكيلي العام.
وحين يتم الحديث عن الجرأة في العمل الفني، يندر أن نجد من يتحدث عن جرأة اللون والخطوط والتقنية وكل ما تتطلبه اللوحة الفنية الحديثة لتصل إلى أقصى حدود المغامرة والحداثة، فالجرأة التي يتحدثون عنها هي جرأة الموضوع المطروح، كأن تكون اللوحة فيها موديلاً عارياً، أما جرأة اللون فنادراً ما نجد من يتحدث عن جرأته، حتى وإن كان موضوعاً على اللوحة بتلقائية مطلقة تصل إلى حدود المغامرة، وكما أشرنا يعود ذلك لطغيان الذوق الأدبي الخطابي على ثقافة معظم الفنانين.
كما أن التنظير الذي رافق ولادة اللوحة السورية والعربية المتعاملة مع التراث، كان ولا يزال يستمد مفاهيمه من تعاليم بيكاسو وماتيس وبول كلي وجورج براك وكاندنيسكي.. وقبل هؤلاء كلود مونيه ورينوار ومانيه وسيسلي وغيرهم، لأنه ليس في قاموس الفن العربي، قبل مجيء هؤلاء مصطلحات اسمها انطباعية أو تكعيبية أو تجريدية غنائية أو تعبيرية انفعالية، وما تفرع عنها من اتجاهات وتيارات أوروبية وأميركية (لما بعد جاكسون بولوك)، فالتجريد العربي الزخرفي والحروفي، يختلف في معطياته الجمالية والفلسفية عن معطيات التجريد العربي الحالي المتأثر بالتجريد الغربي.
رؤية – أديب مخزوم