لإعادةِ بناءِ ثقافةٍ.. ترتقي بالفرد والمجتمع

الملحق الثقافي:خالد عارف حاج عثمان:

الثقافة هي الألوان المتعدِّدة، من علومٍ ومعارف وآدابٍ وفنون، بأنواعها وتعدد مجالاتها.. هي الموسيقا والتربية والفلسفة، والأخلاق والسلوك والمهارات والقيم، والتاريخ والتراث والعادات والتقاليد، والفنون الشعبية والحكم والأمثال، وغير ذلك مما يحرص المرء على تحصيله، من مصادرٍ وملتقيات ومنابر ثقافية وإعلامية، ووسائط فنّية تكنولوجية مختلفة.
وإن كان التقدم العلمي والتكنولوجي، قد شكّل تحدِّياً للثقافة القومية والوطنية، إلا أنه ليس سلبياً بشكلٍ مطلق، فهو سلاح ذو حدّين، فيه الفائدة، وفيه ما يزعزع أركان الثقافة، لاسيما في الدول النامية، ومنها الوطن العربي.
لكن، وبسبب تردّي وضع ثقافتنا، نتيجة الحروب وغيرها مما استهدف وطننا، ارتأينا البحث عن كيفية إعادة بناء ثقافةٍ، ترمّم ما تصدّع من أفكارنا، وترتقي بإنساننا ومجتمعنا، وهو سؤالٌ وجّهناه إلى مجموعة من الكتّاب والمثقّفين، وأصحاب الاختصاص وغيرهم، ممن كان رأيهم:
أحمد بياض: شاعر وناقد مغربي
«ضرورة مواكبة الثقافة.. للتطور الفكري الإنساني»
الثقافة سلوك حضاري؛ تزدهر بها الشعوب وتتوارثها الأجيال.. تستقطب وعي الذات من خلال هلال المعرفة، غير أن الإدراك الفعلي لقيمتها، في انحطاطٍ شامل، ولأنَّ الأسلوب المتّبع، تخلّى عن هذه القيمة الحضارية.
تنمية الثقافة خاضعة أولاً، لطموحِ اللغة وأيضاً الاستثمار الذهني وفضاء المخيلة، وهذا جناح وارد يفرض نفسه أولاً من الموروث، ومما يتطلَّبه الآني والآتي، غير أننا نلاحظ الكثير من المعاناة لدى أفراد المجتمع العربي، وهذا يؤدي إلى خللٍ في الاستثمار الفعلي للمعرفة، وأيضاً في السمو بالثقافة، وهو عائق فعّال، زيادة عن عدم الالتزام بما تفرضه الشعلة الثقافية، وإثبات الطموح الفعلي لكلٍّ من اللغة والمسار الذهني، كشعاعٍ يبقى المثقف رهيناً لمن سيستجيب لمواكبته الفكرية.. كما أن هناك تآمراً تحت الكواليس، للتصدّي لكلِّ شعاع سيفرض نفسه.
علينا أولاً، الإدراك الفعلي لقيمة اللغة. ثانياً: الإدراك الفعلي بالتشييد اللغوي، وهو يحمل شعلة الاستقطاب الفكري.. ثالثاً: الوعي بقيمة الإبداع المتميز والجدّي.. ثالثاً: تسهيل النشر للأقلام المتميزة.. رابعاً: مكافأة ما هو جدّي ويسعى للتنوير..
أبرز أدوار المثقف: إبعاد المشحون السياسي الذي يؤدي إلى الركود.. الابتعاد عن الدعايات الزائفة، التي تعصف وتفتك بكلّ مجهودٍ مثمر.. الالتزام بما تفرضه الثقافة كنتاجٍ حضاريّ.. الوعي بأننا كلّنا مسؤولون عن حمل خضابٍ فكريٍّ ولغويٍّ للأجيال.. عدم استغلال النفوذ كصرح لتمجيدٍ مزيف..
ملك حاج عبيد: قاصة وروائية
«حريَّة التعبير.. شرطٌ للارتقاء بالثقافة»
أول شرط للارتقاء بالثقافة، إطلاق حرية التعبير، فلكي يكون الأديب أديباً، والمثقف مثقَّفاً حقيقياً، يجب أن يتفاعل مع مجتمعه، ولكي يكون التفاعل صحيحاً، يجب أن يكون حرَّاً فيما يقوله، فهناك الكثير من السلبيات التي يجب تسليط الضوء عليها، ولكن الأديب يحجم عن ذلك لأسبابٍ منها، شعوره اليائس بأنه قد لا يكون لرأيه، تأثير في مجريات الأمور.
علينا غرس حبّ المطالعة بين الناس، من الطفولة، والمسؤولية تقع على الأهل بالدرجة الأولى، ومن ثم على المدرسة، علينا أيضاً، رفع المستوى الاقتصادي للمواطن، كي لا تكون لقمة العيش هي شاغله الأكبر، الأهم، أن يكون المسؤولون عن الثقافة، مثقفين حقيقيين، لا موظَّفين عاديين، وأن يخصِّص الإعلام المرئي، فسحة لظهور المثقفين والأدباء، ومع محاورٍ يفترض أن يكون على مستوى ثقافي معقول.
أحمد يونس: رئيس الاتحاد العام لطلبة الأردن
«تطوير العقل وتغذيّته.. بشتى أنواع المعرفة»
الثقافة هي عصب الأمّة، ولبنة تكوينها الأساسية، وخطوتها الأولى نحو التقدم والنهضة، وتُعتبر بمثابة مقياس لمدى الرقي الفكريّ والأدبيّ والاجتماعيّ للأفراد والجماعات، ولا يقتصر مفهوم الثقافة على الأفكار وحسب، بل وهي السلوك الذي يضمن حياة أكثر رخاءً وسهولة ويُسراً.
هي كينونة، تنصهر في بوتقتها العقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات والأعراف الاجتماعية، والموروثات القبلية. كما تعتبر أداةً لإبراز القدرة الإنسانية بطريقةٍ تمكّنها من تصنيف وتمحيص الخبرات، وتسخيرها لإحداث ردَّات فعل إبداعية وخلَّاقة.
هي أيضاً، أهم دعائم الحياة الاجتماعية، فلا تستقيم هذه الحياة، ولا يمكننا الحديث عن عناصرها، بمعزلٍ عنها، كما أنها نتاج تراكم فكريّ أحدثهُ تعاقب الحقب الزمنية، وبالرغم من تباعد الفترات الزمنية بين تلك الحقب، إلا أنها لا تفقد أيَّاً من الكينونات التاريخية.
وللثقافة حصّة الأكبر في نهضة المجتمع وتطوره، ودفع عجلته نحو الرقي في شتى المجالات، العلميّة والفكريّة والأدبيّة، ويتمحور هذا فيما يلي:
– تعد الثقافة أحد أهم العوامل الأساسية للتنمية البشرية.
– تُسهم الثقافة إيجابيّاً، في توجيه أفكار الأفراد والشعوب، ودفعها نحو الإبداع والتميز.
– تعتبر الثقافة أداة فعّالة، لصقلِ المواهب الفردية وتنميتها.
– تُضفي على الفرد والمجتمع، الكثير من المفاهيم المُستحدثة، كالرخاء الفكريّ، والحضارة الإنسانية.
– تساعد في إبراز مكامن قوة المجتمع، ودفعه نحو الإصلاح والتحسين.
الثقافة هالة تحيط بالإنسان، مثلها مثل الاستشعار عن بعد، فهي طاقة بداخل كلّ شخصٍ فينا، وتتناسب بين إنسان وآخر، من حيث زيادة حجمها، فبالتالي تناسبها طردياً مع إشعاعها الخارجي.
أسباب كثيرة تجعلنا نعيد النظر في مفهوم الثقافة، لاسيما أن أجيالنا باتت تراها تقتصر على قراءة الكتب. بالعكس تماماً، لقد أصبحت كتب التعليم لدينا بعيدة كلّ البعد عمّا يسمى ثقافة، أو بشكلٍ نسبيّ، ليس كلّ ما أطلق عليه اسم ثقافة، هو ثقافة.
لابد من التطرّق هنا للحديث عمّا يسمى بالثقافة الجماعية، بعد الحديث عن ثقافة الفرد الواحد، فالكلّ عبارة عن أجزاءٍ، فأين نحن من ثقافة الكلّ؟ وأين مجتمعنا العربي مما يسمّى، بالبنى التحتية الخاصة بالثقافة؟.
لم ينشأ مفهوم الثقافة اعتماداً على شخصٍ واحد، فهو عمليةِ إصلاح فسادٍ، وتحسين أمورٍ حياتيّة، مجتمعة كبيرة مع بعضها، فالثقافة تأخذ أشكالاً كبيرة قبل أن يتمّ حصرها في تعريفٍ معين.
المهم من كلّ هذا، كيف نجعل الثقافة ترتقي بالإنسان والمجتمع؟.. يتطلب هذا، الوعي لدى الجماهير، ومن أهم ما يجب توضيحه، هو حبّها للثقافة وتبنّيها لها، فحبّ الشيء يدفعنا لإتقانه، وإتقان شيءٍ من هذا النوع، كفيلٌ بأن يجعل أمَّتنا في مقدمة الدول المتحضّرة.
حتماً، لا بد من تطوير العقل وتغذيته، بشتى أنواع المعرفة، والتزوّد بالقراءة والمطالعة، ومتابعه كل ما يجري في محيط العالم، لتكون الثقافة ثراءً فكريّاً، نابعاً من واقعنا وحياتنا.
معتقداتنا وأخلاقنا العربية الأصيلة، هي الأساس الذي نستقي منه ثقافتنا، لذلك أيّ إنسان عربيّ متمسك بقيمه وثقافته، هو مثقف أينما حلّ، ينتقل فتنتقل معه قيمه وأخلاقه ووعيه.
من هنا، يبدو دور الثقافة أكثر وضوحاً في بناء المجتمعات، إلاّ أننا يجب أن نضع في حساباتنا، بأن الوصول إلى هذا الهدف، يحتاج إلى جهدٍ وصبرٍ ومثابرة متواصلة، في هذا الميدان الحيوي.
فالثقافة، بما تحتويه من مجموعة القيم والاتجاهات، والآراء وأنماط السلوك التي تعبر عن الواقع الراهن، سواء أكان هذا التعبير قابلاً لهذا الواقع، أم يتجاوزه بالتطوير أو التغيير.
في الختام:
هي رؤى ووجهات نظرٍ مختلفة، وممن التقيناهم باختلاف تخصّصاتهم التربوية والثقافية والإعلامية والقانونية.
رؤى يجمعها، التأكيد على حرية التعبير، ومسايرة التطوّر التكنولوجي، وتربية الفرد والمثقف على حبّ الوطن، والوقوف ضد العولمة الهدامة للثقافة الوطنية التي نريد.
كما علينا أن نحصّن الثقافة، علينا تربية المثقف، وتحصين أجيالنا ضد كلّ ما يمكن أن يزعزع ثقافة مجتمعنا، مبرزين المثقف الوطني، ودوره في بناء وتنمية ثقافةٍ، تخدم المجتمع وتحقق طموحاته وآماله واستراتيجياته، على كافة الأصعدة، ولاسيما الثقافية.

التاريخ: الثلاثاء20-4-2021

رقم العدد :1042

 

آخر الأخبار
هل خدع نتنياهو ترامب لجرّ واشنطن للحرب ضدّ إيران؟ رابطة الصحفيين السوريين: اعتداءات "إسرائيل" على الإعلاميين في الجنوب ترقى إلى جرائم حرب تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران يتصدر أعمال قمة مجموعة السبع تصعيد إيراني في عناوين الصحف: إسرائيل تحت النار والولايات المتحدة في مرمى الاتهام خلخلة الاستثمارات عالمياً خبير مصرفي لـ"الثورة": تراجع زخم الاستثمارات تحت وقع طبول الحرب سعيد لـ"الثورة": الأسواق المالية عرضة للصدمات الخارجية الحلبي في مؤتمر الطاقات المتجددة: من التبعية إلى الإبداع... والتعليم العالي شريك وزير الصحة ومحافظ إدلب يُجريان جولة ميدانية لتفقد المنشآت الصحية المتضررة بريف إدلب غياب الفيلم السوري عن مسابقة الأطفال في "الاسكندرية" قهر الاغتراب.. في وجوه الرواية وتمرّد الحياة الفاضلة مينه: نصرة الفقراء والبؤساء والمعذّبين في الأر... هجوم إسرائيلي يُطيح بقيادة الظل .. مقتل رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني ونائبه الإصلاح الضريبي في سوريا.. ثقة تحتاج لترميم لجان وصلاحيات وصولاً إلى صيغ مناسبة للعدالة بالضريية رحلة أوروبية جديدة تصل دمشق وتدشّن خط طيران مباشر بين سوريا ورومانيا التقاعد: بوابة جديدة للحياة أم سجن الزمن؟. إجراءات سورية أردنية جديدة لتنظيم عبور الشاحنات وتعزيز التبادل التجاري " مثقف السلطة بين عهدين ".. تضخّم الذات والخوف من الرقيب اللاذقاني : الثورة السورية أعادت لي هويتي ... معالجة مشكلات المياه في قطنا وضمان عدالة التوزيع على مختلف الأحياء "أفراح الكرامة"... فسيفساء فنية تحتفي بالهوية السورية أيام وزان ريتا حلبي في تجربة أداء "ملف نفسي"