الثورة أون لاين – سامر البوظة:
لطالما كانت العروبة في مرمى الاستهداف الغربي والاستعماري على مر العصور, كونها الحصن المنيع الذي أفشل العديد من المخططات والمؤامرات التي كانت تستهدف منطقتنا العربية وتاريخها وحضارتها التي تمتد لعقود طويلة, وكانت حجر عثرة وسداً في مواجهة كل أشكال الغزو الثقافي الذي كان يسعى من خلال أفكاره الهدامة وطروحاته التخريبية إلى تفكيك مجتمعاتنا وضرب كل القيم والمبادئ فيها واستبدالها بمبادئ وقيم وأفكار هجينة تكون وفق المقاس الغربي, لذلك كان لا بد من التخلص من هذا الكابوس الذي كان يؤرق تلك الدول الاستعمارية, والذي يعرقل تحقيق مشاريعها وأجنداتها, وهو ما ترجم لاحقاً عبر ما يسمى بـ”الربيع العربي” الذي اجتاح العديد من الدول العربية التي كانت تناهض سياسات تلك الدول أو تعرقل مشاريعها.
فمنذ بداية هذا المشروع الهدام كان من الواضح أن سورية هي الهدف لما تمتلكه من موقع سياسي واستراتيجي هام في المنطقة ولما لها من ثقل وتأثير داخل المنظومة العربية, والأهم من ذلك أن سورية كانت الحامل الأساسي للهم العربي والمدافعة دائماً عن قضايا الأمة العربية وهويتها ووجودها وهي رأس الهرم في محور المقاومة الذي تشكل العمود الفقري الحامل له, لذلك كانت ولا تزال تشكل مصدر إزعاج وخطر دائم لمشاريع تلك المنظومة الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الغاصب, كونها فضحت مخططاتهم الدنيئة المحاكة لتفتيت المنطقة والسيطرة عليها, فوقفت سداً منيعاً أمام تنفيذها, وكانت شوكة في حلق المشروع الإمبريالي والصهيوني الذي يسعى إلى تقسيم المنطقة وصهينتها.
من أجل ذلك كانت الحرب الكونية الظالمة التي استهدفتها منذ ما يقارب العشر سنوات ولا تزال حتى اليوم، والتي اتخذت أشكالاً وأساليب متنوعة بهدف تدميرها وإزاحتها عن طريق تنفيذ تلك المخططات والأوهام الاستعمارية، وعقاباً لها على مواقفها المبدئية الرافضة لسياسات الهيمنة والإملاءات التي تسعى إلى فرضها الدول الاستعمارية الكبرى بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية إلى أذنابها البريطانيين والفرنسيين والألمان وغيرهم والقائمة تطول، كل ذلك خدمة للكيان الصهيوني الغاصب وأجنداته الخبيثة.
إلا أن سورية وعلى الرغم من كل ما عانته وتعانيه جراء تلك الحرب الظالمة من تدمير وإرهاب وحصار جائر, لم تركع يوماً ولم تتخل عن مواقفها ومبادئها السيادية والمدافعة عن العروبة وقضاياها على الرغم من المغريات والعروض الكثيرة التي قدمت لها, حتى أنها في الكثير من الأحيان كانت تقدم المصالح العربية على مصالحها, إيماناً منها بوحدة الجسد العربي, وبوحدة المصير, وبأن الهم واحد والوجع واحد, فصمدت وبقيت آخر خندق من خنادق المواجهة والحفاظ على الهوية العربية والدفاع عن المشروع القومي العروبي المقاوم, لذلك كانت “قلب العروبة النابض” كما أسماها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
إن العروبة ليست مجرد مصطلح سياسي أو فكرة لمعت ويجب تطبيقها، بل هي واقع حي وعقيدة متجذرة، وهي لا تقتصر على فئة معينة، وكما قال السيد الرئيس بشار الأسد إن مفهوم العروبة مفهوم حضاري شامل لكل الأعراق والأديان والطوائف، وهي حالة حضارية ساهم فيها كل من وجد في هذه المنطقة دون استثناء، واللغة العربية والقومية العربية هما الجامع لكل تلك الأعراق والطوائف والأديان، وبالوقت نفسه تحافظان على خصوصية كل واحدة منها.
من هنا فالعروبة يجب أن تكون متجذرة في فكر كل عربي شريف، مؤمن بعروبته ومدافع عن قضايا أمته، لتفويت الفرصة على الأعداء المتربصين الذين يستهدفون هوية العرب القومية وتاريخهم ووجودهم، وهو ما تؤمن به سورية وتناضل دوماً من أجل تحقيقه.
واليوم في ظل ما تواجهه منطقتنا من استهداف وتآمر غربي، نحن بأمس الحاجة كعرب إلى الوحدة والتضامن أكثر من أي وقت مضى وإلى مزيد من التمسك بالعروبة وأصالتها ومفاهيمها، فالعروبة كما بين السيد الرئيس بشار الأسد، باتت مستهدفة من قبل قوى الاستعمار الغربية، التي تلهث لتدميرها وتغييبها وتشويه صورتها، ويحاولون تسييس مفهوم العروبة ووضعها ضمن أيديولوجيات مضللة تماماً كتسييس الإسلام وتسييس الأديان، وضرب التعايش العميق فيما بينهما، وبالتالي نجد أن هذه القوى تسعى في كثير من الأحيان إلى فك عراها وإدخالها في دوامة حروب تبدأ ولا تنتهي لضمان تسيد الكيان الصهيوني وتثبيت سيطرته على المنطقة.
لذلك كان تركيز الرئيس الأسد على هذا الجانب المهم الذي أضاء من خلاله على مفهوم العروبة وشرح الأهداف من وراء ضربها، فكان واضحاً وسمّى الأمور بمسمياتها, مبيناً أن الليبرالية الحديثة تحارب العروبة بشكل أساسي لنسف الدين والمجتمع, فهي تعتبره حجره الأساسي وعماده الأول، لذا كان تركيز سيادته على عمق العلاقة التي تربط علاقة العروبة بالإسلام, ووصفها كعلاقة الجسد بالروح, مؤكداً في الوقت نفسه أنه لا يمكن الفصل بين العروبة والإسلام , وعندما يحصل انفصال بينهما معناه أن هناك عدم استقرار اجتماعي وبالتالي أمني.
ومما تقدم يتضح مدى أهمية الحفاظ على مفهوم العروبة في ذهنية المجتمع العربي لكونها جامعاً فكرياً عقائدياً والعامل الأكثر تهديداً للمصالح الاستعمارية بالمنطقة, وعليه فإن على أمتنا العربية أن تعيد توحيد صفوفها وأن تترفع عن خلافاتها وعن مصالحها الضيقة, وأن تعيد استنهاض قواها من خلال تمسكها بالمفهوم العميق للعروبة كهوية جامعة لكل مكونات الأمة, وذلك عبر تعزيز الانتماء القومي لدى الشعوب العربية, والذي يعد “خط الدفاع الأول”, كما قال الرئيس الأسد, من أجل مواجهة كل أشكال الغزو الثقافي والفكري ومحاولات القوى الاستعمارية ضرب هذا الانتماء، لتحويلنا إلى مجرد آلات مسلوبة الإرادة تتحرك وفق ما يخطط لنا من الخارج.