من يكسب سباق الاقتصاد الدولي؟

الثورة أون لاين _ د. ذو الفقار عبود :

بلغ حجم التجارة الثنائية لإندونيسيا مع الصين في عام 2019 (79.4) مليار دولار بزيادة عشرة أضعاف عن عام 2000، ما يؤشر إلى أن اليوان أصبح أكثر جاذبية للشركات الإندونيسية عند التعامل مع الشركات الصينية، فلقد تضاعفت حصة اليوان في التجارة الثنائية بين الصين وإندونيسيا أربع مرات في السنوات الأربع الماضية (2016-2020).
وهناك توجه لدول المنطقة في زيادة حصة اليوان في احتياطياتها من العملات الأجنبية، ولعل المثال الروسي يُنذر بمستقبل جنوب شرق آسيا في هذا الصدد، فقد رفعت روسيا كثيراً من حصة اليوان في احتياطياتها من أكثر من 2% في 2018 إلى أكثر من 14% في 2019، كما خفضت حصتها من الدولار الأميركي من نحو 30% إلى نحو 10% خلال الفترة نفسها، وانخفضت حصة الدولار في التسويات التجارية بين الصين وروسيا من 90% إلى 46% منذ عام 2016.
واليوم، أصبح بإمكان اليوان الرقمي الصيني أن يسحب المعاملات بعيداً عن منصات الصرافة التي يُهيمن عليها الدولار، مثل أداة “SWIFT”، وهي الآلية الرئيسة التي تحافظ على هيمنة الدولار الأميركي في التجارة العالمية، ويصف المسؤولون الصينيون نظام “SWIFT” بأنه وسيلة للولايات المتحدة للحفاظ على “الهيمنة العالمية” وجني “أرباح ضخمة بفضل منصة الاحتكار”.
الأميركيون بالمقابل سوف يأخذون التحركات الصينية في هذا المجال على محمل الجد بالتأكيد، حيث يعتقد ماكس ليفشين، أحد مؤسسي “PayPal” للدفع الالكتروني، أنه إذا لم تقم الولايات المتحدة بعملها جماعياً وجعلت نسخة رقمية من الدولار متاحة بسهولة أكبر فإن اليوان سيصبح العُملة الاحتياطية الرقمية في العالم. وستفقد الولايات المتحدة نفوذها وتأثيرها على العديد من البلدان إذا اختارت استخدام اليوان على الدولار بازدياد.
لكن على الولايات المتحدة أن تكون جادّة في تقديم بدائل لشركات التكنولوجيا المالية الصينية، والاستفادة من قوة شركات التكنولوجيا الأميركية، ومع ذلك، فإن منافسة الشركات الأميركية بطيئة في السباق مع التكنولوجيا المتزايدة للصين. فلقد استثمرت شركة “Alibaba” أو “Tencent” الصينية في كل واحدة من 13 شركة “يونيكورن” للتكنولوجيا، وهي شركة ناشئة تُقدَّر قيمتها بمليار دولار أو أكثر، في جنوب شرق آسيا. بينما استثمرت “Facebook” و”PayPal” في أول شركة في مجال التكنولوجيا المالية في جنوب شرق آسيا وهي “Gojek” في آذار الماضي فقط. ولذلك يرى الأميركيون خطورة خروج الشركات الأميركيّة مثل “Facebook” و”Google” و”PayPal” من أهم أسواق النمو في العالم التي تقع في الغالب في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. في غضون ذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى إيجاد طرق لتشجيع عمالقة التكنولوجيا لديها على الشراكة مع شركات التكنولوجيا المالية غير الصينية حول العالم، وتحفيز أصحاب رؤوس الأموال المغامرة الكبار في الولايات المتحدة على الاستثمار بطرق تخدم المصالح الأميركية، تماماً كما تفعل الصين. لمن في النهاية، تحتاج الولايات المتحدة إلى تزويد الدول ببديل للتبعية التكنولوجية للصين.
تُعَدُّ أنظمة المدفوعات التجارية الرقمية الشائعة والملائمة التي يستخدمها المستهلكون الصينيون يومياً جزءاً مهماً من “نظام التشغيل الصيني”. ومن خلال التكنولوجيا المالية فإنّ الصين في طريقها لامتلاك حصة أكبر في الاقتصاد العالمي وكسب سيطرة أكبر على النظام المالي العالمي، ولا يزال أمام الولايات المتحدة وقتاً طويلاً لاحتواء هذه المنافسة.
لا تزال الولايات المتحدة القوة المهيمنة في قطاع الخدمات المالية العالمي، وهي رائدة في كل مجال من مجالات التمويل تقريباً، بداية من رأس المال الاستثماري والأسهم الخاصة، وصولاً إلى الخدمات المصرفية وإدارة الأصول، وتدعم السيولة وحجم أسواق رأس المال الأميركيّة تفوق الدولار، ما يسمح للأميركيين بدفع أقل مقابل للحصول على السلع الأجنبية ويساعد في تمويل الإنفاق الحكومي الأميركي. ومع ذلك، فإن القيادة المالية الأميركية تتعرض بشكل متزايد لتحديات بسبب المنافسة الشرسة التي تتعرض لها من الخارج، والسياسات قصيرة النظر التي تؤدي إلى نتائج عكسية في داخل البلاد. لذلك سيكون الحفاظ على التفوق المالي للولايات المتحدة أولوية لإدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.
ففي الماضي، كانت التحديات التي تواجه الإدارة الأميركية تأتي من مراكز مالية تقليدية مثل: لندن وهونج كونج وطوكيو. لكن الآن سيكون البرّ الرئيس للصين هو المنافس الأكبر لواشنطن، حيث يشكّل تحدياً هائلاً بشكل متزايد في مجال الخدمات المالية في السنوات القليلة المقبلة.
ورغم أن التفوق الصيني حديث نسبياً، لكنها بدأت مؤخراً في الانفتاح وجذب أفضل المؤسسات المالية الأجنبية كل في فئتها للعمل في الصين.

ومع أن الأسواق الصينية تعاني من مشكلات تتعلق بالحوكمة والمحاسبة، إلا أن الحكومة الصينية قادرة على التغلب على ذلك، وتعمل بكين على تعزيز هيكلها التنظيمي لتلبية المعايير العالمية، وتوفير قدر أكبر من الشفافية.
لقد سمح انتعاش الصين السريع نسبياً من جائحة كوفيد-19، دون صرف حزم تحفيز مالي كبيرة للشركات المتضررة، بالحفاظ على أسعار فائدة أعلى وعملة أقوى، وهذا يجذب تدفقات استثمارية كبيرة إلى الأسهم الصينية والأوراق المالية الأخرى.
واحتلت شنغهاي المرتبة الأولى بين البورصات العالمية لعدد الاكتتابات الأولية، ورأس المال الذي تمّ جمعه خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2020.
وتظهر هذه الاكتتابات الأولية أن عمليات جمع الأموال الكبيرة يمكن أن تتم خارج إطار النظام المالي للولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه الذي تعمل فيه الصين على جذب رأس المال العالمي، تتحرك الولايات المتحدة في الاتجاه المعاكس، حيث تعتمد قوة أسواق رأس المال الأميركية على الثقة في سياسات الاقتصاد الكلي، والسياسات المالية المستقرة للبلاد.
ولقد قوّضت الحكومة الأميركية هذه الثقة من خلال اتخاذ قرارات قصيرة النظر، والإهمال المالي طويل الأجل، وتعتبر الجهود المبذولة لإزالة الشركات الصينية الشرعية من البورصات الأميركية بمثابة سياسات تنذر بمخاطر كبيرة على الاقتصاد الأميركي.
وتأتي هذه الجهود في وقت غير مناسب إطلاقًا، ما يؤدي إلى تقليص الطلب الصيني على الدولار، في الوقت الذي تعاني فيه الولايات المتحدة من ديون كبيرة. وسيكون الخطر الأكبر إذا ما فكّرت الصين في الاستغناء عن الاحتياطيات الدولارية التي تملكها.
وفي حين أن المستثمرين من جميع أنحاء العالم يستفيدون من الاستثمار في الأوراق المالية من الصين، فإن واشنطن تزيد من صعوبة قيام المستثمرين الأميركيين بذلك.
ما لم يتغيّر شيء ما كبير في المنظومة المالية، فستظل الصين الاقتصاد الرئيس الأسرع نمواً في العالم، متجاوزة الولايات المتحدة في الحجم في المستقبل المنظور.
وتوجد في الصين حصة أكبر من الشركات الخمسين الأكبر في العالم أو ما يُعرف باسم (الفورتشن جلوبال 500) مقارنة بالولايات المتحدة، وستتنافس المراكز المالية الأخرى مثل هونغ كونغ ولندن وطوكيو وحتى شنغهاي على إدراج الشركات الصينية التي تبعدها الولايات المتحدة الآن.
ويتمثل التهديد الأكثر جوهرية في الاقتصاد الأميركي في الافتقار إلى الإرادة السياسية، التي تستطيع التعامل مع العجز الهيكلي طويل الأجل الموجود في أميركا، والذي يقوّض الثقة في الاقتصاد الأميركي والدولار.
والآن، وصلت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة لأدنى مستوياتها التاريخية، بينما تمثل الديون الفيدرالية أكبر كحصة من الاقتصاد، مقارنة بأي وقت مضى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وسيستمر هذا الدين في الزيادة مع دفع واشنطن لحزم التحفيز المالي الضرورية لتعافي الاقتصاد المتضرر من الوباء. ولكن مع نمو مستوى الدين، ستنخفض جاذبية السندات الأميركية تدريجياً، ولا يمكن أن يتمركز نظام مالي عالمي في بلد يفشل في الحفاظ على جودة ائتمانه، وعندما تنتهي أزمة الوباء، ستضطر واشنطن إلى التعامل مع الديون الأميركية المتزايدة. وإلا فإن الدولار سينخفض في النهاية، ولن تكون واشنطن وقتها قادرة على سداد التزاماتها المالية.
ختاماً، يمكن القول إن الأميركيين يدركون أن استمرار قيادة الولايات المتحدة لقطاع الخدمات المالية ليس مضموناً، وهي بحاجة للتركيز على نقاط القوة التي جعلت أسواق رأس المال الأميركية في قمة الهرم، وفي الوقت نفسه، يجب عليها صياغة نهج أكثر ذكاءً للتعامل مع الصين، بحيث تتجنب الصراع غير الضروري وتستفيد من الفرص الموجودة لجذب المزيد من رأس المال، وإدارة المنافسة الاستراتيجية معها بدلاً من الصراع المفتوح كما كان عليه الوضع في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

آخر الأخبار
"الإسكان" تحدد استراتيجيتها الوطنية حتى 2030..  مدن متكاملة ومستدامة وآمنة ومجابهة للتغيرات المن... أمام اختبار التدفئة المركزية.. طلاب الثانوية المهنية الصناعية: سهل وواضح "التحول الرقمي".. ضرورة ملحّة في ظلّ تضخم النظام البيروقراطي استمرار الاستجابة لليوم السادس والنيران تصل الشيخ حسن في كسب  "بسمات الأمل".. رحلة الدعم في قلب سوريا الجديدة  720 سيارة سياحية من كوريا الجنوبية تصل مرفأ طرطوس.  المستقبل يصنعه من يجرؤ على التغيير .. هل تقدر الحكومة على تلبية تطلعات المواطن؟ الخارجية تُشيد بقرار إعادة عضوية سوريا لـ "الاتحاد من أجل المتوسط" فرق تطوعية ومبادرات فردية وحملة "نساء لأجل الأرض" إلى جانب رجال الدفاع المدني 1750 طناً كمية القمح المورد لفرع إكثارالبذار في دير الزور.. العملية مستمرة الأدوية المهربة تنافس الوطنية بطرطوس ومعظمها مجهولة المصدر!.  السيطرة الكاملة على حريق "شير صحاب" رغم الألغام ومخلفات الحرب    بين النار والتضاريس... رجال الدفاع المدني يخوضون معركتهم بصمت وقلوبهم على الغابة    تيزيني: غرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة كانت تعمل كصناديق بريد      تعزيز التعاون في تأهيل السائقين مع الإمارات بورشة عمل افتراضية     الإبداع السوري .. في"فعالية أمل" ريف اللاذقية الشمالي يشتعل مجدداً وسط صعوبات متزايدة وزير الطاقة: معرض سوريا الدولي للبترول منصة لتعزيز التعاون وتبادل الرؤى بطولات الدفاع المدني .. نضال لا يعرف التراجع في وجه الكوارث والنيران  وزير الطاقة يفتتح "سيربترو 2025"