الملحق الثقافي:خالد عارف حاج عثمان :
ما حال الشّعر اليوم؟.. وما مكانة التخيّل فيه؟.. وكيف تبرز المحاكاة؟.. وهل بقي من ملامحِ الشِّعر القديم، بعضٌ من بقيّة، في زمنِ ما بعد الحداثة؟..
يقول «الفارابي» في كتاب «الشّعر»: «فقوام الشّعر وجوهره عند القدماء، هو أن يكون قولاً مؤلّفاً مما يحكي الأمر، وأعظم هذين في قوام الشّعر، هي المحاكاة، وهي وسيلة من وسائل التخييل، قيل بأن منها ماهي صادقة ومنها ماهي كاذبة، والكاذبة منها ما يوقع في ذهن السامعين، الشيء المعبّر عنه، بدل القول، ومنها ما يوقع فيه المحاكي للشيء، وهذه هي الأقاويل الشعرية…»
يؤكد «الفارابي» أيضاً في كتابه، على أن القول. أي «ما يقال أو يُحكى، منه المحاكاة وهي ما يقوم عليه الشّعر، وأن هذه الأخيرة- أي المحاكاة- هي أهم الوسائل الفنيّة والتعبيريّة في عملية التخييل، باعتبارها عملاً فكريّاً وعقليّاً، تنجز نصّاً أو خبراً، صادقاً كان أم كاذباً، التخييل هنا لا يجزم بصدقه أو عدمه لدى المتلقّي، وبالتالي تتعدّد الأقوال، وتدعى حينها بالأقاويل الشعرية».
نخلص من هذا، إلى أن جوهر الشّعر القول، والمحكي والمحاكاة، ووسيلتها التخييل أو الخيال، والتخييل يختلف بين مبدع وآخر. …
أمّا «ابن سینا»، فيعرّف الشّعر: «الشّعر كلامٌ موزونٌ مقفّى، من شأنه أن يحبّب إلى النفس، ما قصد تحبيبه إليها، ويكرّه اليها ما قصد تكريهه، بما يتضمن من حسن تخييلٍ ومحاكاة مستقلّة بنفسها، أو متصوّرة بحسنِ هيئة تأليف الكلام، أو قوة صدقة، أو قوة شهرته، وكلّ ذلك يتأكد بما يقترن به من استغراب، فإن الاستغراب أو التعجب، حركة للنفس إذا اقترنت بحركتها الخياليّة، قوى انفعالها وتأثيرها..»
يقول «ابن سينا» أيضاً، عن مصطلح الشّعر وتوفّر عناصره: «الكلام ذو المعنى القائم على أوزانِ بحورِ الخليل بن أحمد الفراهيدي، المنتهي بالقافية والروي الموحدين، والهدفية والغاية، ووجوب توفر الجمال، والأخلاق التي تهذّب النفس، وتوجّه إلى حبٍّ أو كره النص ومضمونه، أو تكريهه، ومن عناصره الأسلوب القائم على التخييل والمحاكاة، والاستغراب أو الدهشة المثارة من بؤرة القصيدة، وأعني بيت القصيد».
ويبقى السؤال مفتوحاً، على مدى التجارب: «ماذا بقي من هذا في القصيدة الحداثوية؟.. وكيف تتجلّى هذه الـ «من» ؟..
ربما نكملُ في قادمِ الأيام.
التاريخ: الثلاثاء25-5-2021
رقم العدد :1047