الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
عندما تشن الولايات المتحدة أو إحدى الدول التابعة لها هجمات على الآخرين أو ترتكب جرائم حرب ضد السكان المدنيين، فإنهم يزعمون أن ما يقومون به هو دفاعٌ عن النفس، وهم بهذا ينتهكون ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استخدام القوة، ويحولونه إلى تبرير شامل للعدوان الإجرامي وانتهاكات قوانين الحرب، في حين أن الحق في الدفاع عن النفس من المفترض أن يحمي الدول الأضعف من الدول الأكثر قوة، فإذاً، خطاب الدفاع عن النفس قد اخترعته الحكومات التي تُعتبر الأكثر تدخلاً في دول العالم والتي استخدمت هذه اللغة لإضفاء نوع من الشرعية على القيام بالعمل العسكري العقابي.
عندما قامت الولايات المتحدة بغزو العراق بشكل غير قانوني في عام 2003، أكدت إدارة بوش آنذاك أن هذه كانت حالة “دفاع استباقي عن النفس” على أسس سخيفة وهي أن الحكومة العراقية قد تشكل تهديداً خطيراً للولايات المتحدة “يوماً ما” في المستقبل.
هذه هي الطريقة التي تم بها الترويج للحرب الكارثية التي انتهكت بشكل صارخ ميثاق الأمم المتحدة، وحتى يومنا هذا لا يزال يُشار إلى هذه الحرب العدوانية بشكل خاطئ على أنها حرب وقائية.
كما كان اغتيال القائد قاسم سليماني غير القانوني مثالاً آخر عندما اتخذت الولايات المتحدة إجراءً عدوانياً ضد جيش أجنبي وادعت في البداية أنه تم لمنع “هجوم وشيك”.
وقد أسقطت إدارة ترامب لاحقاً هذا الادعاء الكاذب، لكنها استمرت في التأكيد على أن الاغتيال كان إجراءً دفاعياً، فواشنطن تعتمد وبشكل يدعو للسخرية على الشعار “إذا فعلنا ذلك ، فهو دفاع عن النفس”.
أما بالنسبة لـ” إسرائيل” ، فهي تشن بشكل روتيني هجمات على أهداف في دول أخرى باسم “الدفاع” عن النفس وتصف قصفها للمدنيين في غزة على أنه عمل دفاعي وطبيعي، كما شنت مئات الهجمات على أهداف داخل سورية في السنوات الأربع الماضية، إلا أنها لم تتعرض لأي هجوم خلال هذه الفترة، ولم تكن في خطر التعرض للهجوم. كما أن” إسرائيل” تقوم برعاية الهجمات داخل إيران ضد العلماء والمنشآت النووية وغالباً ما يتم نسج هذه الأعمال العدوانية على أنها “دفاع” ضد قنبلة إيرانية خيالية مستقبلية!.
وفي حين أن كل دولة لديها الحق في الدفاع عن نفسها ضد أي هجوم من قبل دولة أخرى، فإن علاقة” إسرائيل” بالفلسطينيين تختلف في نواحٍ مهمة تجعل لازمة “الدفاع عن النفس” المعتادة جوفاء، لا تزال “إسرائيل” هي القوة المحتلة للقدس الشرقية والضفة الغربية وغزة، فعلى الرغم من انسحاب “إسرائيل” من غزة، إلا أنها استمرت في السيطرة على اتصالها بالعالم الخارجي وفرضت الحصار على المنطقة منذ عام 2007، كما أنها تتعامل مع الفلسطينيين الذين تحتل أراضيهم على أنهم رعايا يتم قمعهم في أي وقت.
لفتت مريم جمشيدي الانتباه إلى العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين مؤخراً في مقال لمجلة بوسطن ريفيو: “من نواحٍ مختلفة، تشترك هذه الحرب الطويلة على غزة مع الحروب الاستعمارية التي شنتها القوى الإمبريالية الأوروبية في القرن التاسع عشر، بما في ذلك حركات “إسرائيل” البهلوانية لتبرير وإضفاء الشرعية على هجومها على الفلسطينيين”.
وتتجاهل “إسرائيل” القانون الدولي عندما يتعلق الأمر بمعاملتها للفلسطينيين، وتطالب بالحق في قمع أي مقاومة لحكمها مثلما كانت تفعل القوى الاستعمارية، فحكومتها تحاول الاستفادة من القانون لتبرير استخدام القوة ثم تتجاهله عندما يتطلب منهم الوفاء بالتزاماتها تجاه الفلسطينيين.
تتابع جمشيدي: “لقد بيّن الكثير من الباحثين في مجال حقوق الإنسان أن استخدام “إسرائيل” لحقها في الدفاع عن النفس قد يحمي” سلطتها الاستعمارية”، لكنه يأتي على “حساب حقوق الفلسطينيين العزّل” الذين احتلت أراضيهم واستولت على بيوتهم.
لا أحد يستطيع أن يتغاضى عن موجة القصف الإسرائيلي على غزة التي استمرت 11 يوماً في الشهر الماضي، فقد كان عدد ضحايا هذا القصف أكثر من 200 شخص، بما في ذلك المذابح التي راح ضحيتها عائلات بأكملها قتلوا في منازلهم، وخلفت أكثر من 90 ألف شخص مشرداً بالرغم من انتشار جائحة فيروس كورونا. كما قامت بتدمير أبراج سكنية كاملة لفرض عقاب جماعي على السكان، ولو كانت أي حكومة أخرى في العالم هي التي فعلت ذلك، لكانت الولايات المتحدة أول من تسارع بالإدانة والتهديد بجعلهم منبوذين ويجب معاقبتهم.
إن قتل الأشخاص العزّل في منطقة تُعتبر كالسجن المحاصر لا يمكن اعتباره أبداً دفاعاً عن النفس، ويجب أن نرفض الحجج التي تدعي عكس ذلك، فتداعيات السياسة على العلاقة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” واضحة جداً، تحتاج حكومتنا إلى التوقف عن دعم وتسليح حكومة تشن مثل هذه الهجمات ضد الأشخاص الذين يعيشون تحت الاحتلال.
ويجب على الولايات المتحدة أن تطالب برفع الحصار عن غزة فوراً، وفي المرة القادمة التي تبدأ فيها” إسرائيل” قصف المدنيين في غزة، يجب على حكومتنا إدانة جرائم الحرب التي يرتكبونها ومعاقبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
المصدر: Anti-war