الملحق الثقافي:د. عبد الله عيسى *
كأنّي أرى في دمشقَ الّذي لا تراهُ الحلازينُ،
أو العابرونَ على رطْنِ آثارِهمْ فوق أحجارِها العالياتِ،
وما لمْ تقلْهُ لسنونوةٍ أهملتْ عشّها عُرضةً للغرابِ،
الّذي لم تُسِرَّ به لسوايَ:
الكلامُ المهجّى بلفظتِنا، سوّلتْهُ جوانحُنا لجوانحِنا
يتنفّسُ الحبقَ المنزليّ على الشرُفاتِ،
أعودُ معافى بها إذْ تنادي عليّ إليها..
تصدّقُ أنْ لي يداً فألوّحَ لي لأرها؛ وآلَفُها وتألفُني بصدايَ.
دمشقُ! ..
لماذا هبطتِ من السمواتِ الأخيرةِ
حتّى رأوكِ تحومينَ كالطير ِفوقَ مقابرِنا الداثراتِ؟..
لمنْ بعدَ هذا تركتِ التواريخَ كاملةً تتعثّرُ تائهةً بين هاويتين:
السُدى وخطايَ؟
دمشقُ !
دمٌ.. إنّ هذا دمٌ… دمي دمُكِ المشتهى،
أو دمُ الأولياءِ الّذين إلى أبدٍ يحرسونَ بنا ظهرَنا من مِدى الطعَناتِ،
دمٌ.. في طريقِ عشيقينِ لم يكبرا بعدُ إلا ليعترفا:
أنّني ذاكَ أحضنُها، لا أزالُ جميلاً بها في مرايايَ .
دمشقُ! ..
يصدّقُني المعمدانُ إذا قلتُ أنّي أحبّكِ، حتّى أحبُّ سواكِ لأجلكِ .
ما ضرّ إذ كذّبتني ظلالُ العُصاةِ؛
فردّي بصبرٍ جميلٍ سلاماً جميلاً على كلّ حيٍّ يقصُّ رؤاكِ عليّ
فلا أكتفي منكِ إلا بمحضِ رؤايَ.
دعي الميّتينَ يعدّونَ عما قليل مقابرَهم للرحيل
يعودونَ من حيث جاؤوا… سبايا الرُفات
وكوني كما أنتِ، ما شئتِ، لفظتَنا إذ نحبّ،
وحين يقلبّنا العشقُ كوني، لنا قبلةً نشتهيها ونايا.
*شاعر وأكاديمي فلسطيني، يقيم في موسكو
التاريخ: الثلاثاء8-6-2021
رقم العدد :1049