خريفُ الشَّياطين

 الملحق الثقافي:عيسى إسكندر علي:

صفرت الريحُ الباردة منذرةً بشؤمٍ أسود، وكابوس رهيب، كانت حقائق الأشياء تبدو واضحة، وتعكس موقفها من المجزرة المنتظرة….
هجعَ محسن تحت اللحاف الكبير، المموّج بالزرقة والبياض، وفمه يتمتم بأدعيةٍ تُسمع كأنها طنين نحلةٍ مخنوق، وعيناه تحدّق في سقفِ الغرفة لكنه لا يرى إلا السنديانة النديّة، التي كانت تتوسط بيت جده القديم، ولا يسمع إلا صدى كلمات جده، تردّدها أحجار ذاك البيت، بينما زوجته صامتة شاحبة تجوب أرجاء البيت تارةً، وترتّب بعض الحقائبِ الصغيرة تارةً أخرى، أما سليمان فقد بدا متماسك الأعصاب قليلاً، لكن داخله توتّر وحيرة وغضب، منعه كما والدته، من النوم طوال ساعات الليل …
العالم في ظلام كأنه الموت ….
كانت الساعة الرابعة فجراً، حين أضاءت أم سليمان مصباح الغرفة، لتجد زوجها مازال محدّقاً في السقفِ بعينين ثابتين، وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة محيِّرة.. كلَّمتهُ، فأجابها بسكوتٍ مطبق، تجلّل بشحوبٍ ظاهر، وسكون وصمت تام، يعزف لحن الوداع وملحمة الفراق الأبدي المفجع.
نظر سليمان إلى والده، وقد أحسّ بيدٍ ثقيلة تقبضُ على حلقه وتمنعه من النطق، لقد جفت الدموع وفقد رغبته بالبكاء.. انتابه دفقٌ غزير مبهم من الأسئلة المستحيلة التي تفوق طاقة الإدراك البشريّ، وخارج دائرة المعرفة العقليّة والحواس الخمس، ربما يحتاج لحواسِ ما وراءَ الوعي، وما وراء العقل، ليعرف حقيقة ما يجري وما سيجري في القادم من الأيام، فالأشد رعباً لم يأت بعد.
جاء بشرشفٍ أبيض وزجاجة عطر وشمعة وبخور، وبدأ بطقوسٍ جنائزية حزينة، على موسيقا نحيبِ والدته المخنوق، الممتزج مع صدى صوتِ قذائف المدفعية البعيد وعويل الرياح، كان الجسد ممدَّداً على السرير ملفوفاً في الكفن، وحوله اشتعل الشمع والبخور.. إنه الفراق عن كلِّ ما هو أرضي، والعودة إلى الكون الرحيب عبر بواباتِ السّماء.
هل يكون الموتُ جبناً في مثل هذه المواقف؟، أم إنه بطولةٌ لا نفهمها؟!.. هل هذا مزاحٌ أسود يا أبتاه؟.. إنه مزاح إلى حدِّ الخيال ..
جيء بعشراتِ الضحايا، ومُدّت أعناقهم وذُبحوا ببطءٍ.. كانت الأطفال تُذبح أولاً ثم الآباء، وكانوا كلّما انتهوا من ذبحِ مجموعةٍ، تجأر الجموعُ فرحاً ونشوة..
أمسكَ أحد الشياطين بكفِّه اليمين، وبحركةٍ واحدة، وكجزّارٍ خبيرٍ، قطع إصبع خالد ثم أعطاه إياها ليمسكها بكفّه اليسار، ثم قاده إلى بيت محسن “أبو سليمان”، حيث ثلاثة شياطين يتحلّقون فوق جثّتين هامدتين، لرجل وامرأة متعانقين. كان في عيني الرجل بريقُ الحكمة الفطريّة التي تهبها الأيام للرجل مع التقدم في العمر، وكانت للمرأة نظرة قاسية عطوفة، كتلك التي تلمع في عيون النساء في الثلاثينيات من عمرهن..

التاريخ: الثلاثاء8-6-2021

رقم العدد :1049

 

آخر الأخبار
توقيع عقود تصديرية.. على هامش فعاليات "خان الحرير- موتكس"     تشكيلة سلعية وأسعار مخفضة.. افتتاح مهرجان التسوق في جبلة السياحة تشارك في مؤتمر “ريادة التعليم العالي في سوريا بعد الثورة” بإستطاعة 100ميغا.. محطة للطاقة المتجددة في المنطقة الوسطى "خان الحرير - موتكس".. دمشق وحلب تنسجان مجداً لصناعة النسيج الرئيس الشرع أمام قمة الدوحة: سوريا تقف إلى جانب قطر امتحان موحد.. "التربية" تمهّد لانتقاء مشرفين يواكبون تحديات التعليم خبير مالي يقدم رؤيته لمراجعة مذكرات التفاهم الاستثمارية أردوغان: إســرائيل تجر المنطقة للفوضى وعدم الاستقرار الرئيس الشرع يلتقي الأمير محمد بن سلمان في الدوحة قمة "سفير" ترسم ملامح التعليم العالي الجديد خدمات علاجية مجانية  لمرضى الأورام في درعا الرئيس الشرع يلتقي الشيخ تميم في الدوحة الشيخ تميم: العدوان الإسرائيلي على الدوحة غادر.. ومخططات تقسيم سوريا لن تمر الحبتور: الرئيس الشرع يمتلك العزيمة لتحويل المستحيل إلى ممكن فيصل القاسم يكشف استغلال "حزب الله" وجهات مرتبطة به لمحنة محافظة السويداء ضبط أسلحة وذخائر معدّة للتهريب بريف دمشق سرمدا تحتفي بحفّاظ القرآن ومجودي التلاوة تنظيم استخدام الدراجات النارية غير المرخّصة بدرعا مطاحن حلب تتجدد بالتقنية التركية