الثورة أون لاين – فؤاد الوادي:
في العام 1997 زار الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون دمشق، والتقى بالرئيس الراحل المؤسس حافظ الأسد، وقال بعد لقائه معه كلمات ستبقى محفورة في التاريخ، ربما لأنها كانت الكلمات الأصدق التي ينطق بها رئيس أميركي.. قال كلينتون بعد اللقاء: “هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أحس فيها أنني وضعت يدي بيد رئيس، لقد أحسست بشعور لا يوصف عندما سلمت عليه، وعندما نظرت لوجهه رأيت التاريخ كله والعنفوان كله، في تلك اللحظات بالذات حمدت الله على أنه ليس رئيساً لدولة كبيرة، لأنه عند ذلك كان ليحكم العالم من دون منازع”.
ذاك هو القائد الخالد الذي اختزل التاريخ والمجد والعنفوان، حتى أضحى حديث الشعوب والأحرار والمناضلين والشرفاء، حديث الشموخ والكبرياء الذي تجلى فيه بأسمى معانيه وصوره على الإطلاق.
مع كل ذكرى يداهمنا وجع الغياب وصهيل الذكرى التي تملأ أرجاء الذاكرة التي لا يزال يتدفق منها الوجد والشوق المفرط لذلك الحضور المدهش والأخاذ الذي كان يأخذ به القائد المؤسس الألباب والقلوب، وباعتراف معظم قادة وزعماء العالم، وخاصة أولئك الذين التقوه حين نزلوا في حضرة التاريخ والمجد والعنفوان.
في استحضار الذكرى يجتاحنا وجع الغياب وزخم الحضور الذي يشتعل بداخلنا عند كل منعطف خطير يدهمنا فيه الإحباط واليأس والغياب الذي يُفتح معه الجرح الذي لطالما حاول النسيان يائساً الإبحار بين ضفتيه، إلا أن أمواج الشوق العاتية كانت ترمي به في كل مرة إلى الأعماق التي تدفع بالحضور وهالته إلى السطح، حيث الأحرار في كل بقعة من هذا العالم لما يزالون يحيون ويعيشون ويقاومون ويستنهضون المستحيل والإعجاز ويترجمونه حقيقة ساطعة وواقعا صارخاً على الأرض.
لقد سخّر القائد المؤسس حافظ الأسد حياته كلها مدافعاً عن الأمة ومناصراً لقضاياها، وداعماً وحاضناً لكل الأحرار والمقاومين للاحتلال الإسرائيلي، وللاستعمار بكافة أشكاله وأوجهه وأقنعته، وهذا ما ضاعف من صدمة الغياب لدى الشارع العربي الذي شعر بخسارة كبيرة لهذا الغياب الصادم للجميع.
ونحن نعيش ذكرى الرحيل الحادية والعشرين، تغمرنا طهارة المبادئ وصدقية النهج وصوابية الاستشراف والاستراتيجيا، وحكمة المواقف والسياسات التي زرعها القائد الراحل في هذا الوطن، لتتجلى مع كل لحظة مفصلية واستثنائية حقائق ودروساً وعبر وأساطير بات يلمسها اليوم القاصي والداني بعد نحو عشر سنوات من هذه الحرب الشرسة التي تشنها أكثر من مئة دولة على الدولة السورية، التي أثبتت بكامل منظومتها (الدولة التي أظهرت مؤسساتها تماسكاً وترابطاً متيناً برغم الاستهدافات المتكررة والممنهجة من أطراف الإرهاب وأدواته – والشعب الذي أظهر برغم المحاولات المتواصلة لضرب وحدته وتماسكه تلاحماً وتماسكاً وطنياً راسخاً تُرجم بالصمود الأسطوري والدفاع جنباً إلى جنب مع جيشه الوطني – والجيش العقائدي الذي أثبت وطنيته وعقيدته الأخلاقية وقدرته على الدفاع عن تراب هذا الوطن وتكبيد الأعداء خسائر فادحة وتحقيق إنجازات وانتصارات ساحقة – والقائد الحكيم والشجاع السيد الرئيس بشار الأسد الذي كان استثنائياً في حكمته وشجاعته ومواقفه وإدارته للمعركة، قدرتها على التماسك والصمود والمواجهة والدفاع، وقدرتها على التحدي والهجوم وصنع الإنجازات، وتحقيق الانتصارات الصادمة والمفاجئة للعدو وفي التوقيت الذي تشاء وتريد.
لقد أثبتت السنوات التي أعقبت رحيل القائد الخالد حافظ الأسد ورغم عجافها ومراراتها، أثبتت صلابة ومتانة أركان البيت الوطني الذي عُززت دعائمه وقواعده المتجذرة في عمق التاريخ أكثر وأكثر مع وجود قائد كبير كالسيد الرئيس بشار الأسد.. الذي أبى إلا أن يكمل مسيرة البناء والنضال والدفاع عن الحقوق والقضايا العربية، وهذا الأمر كان السبب الرئيس وراء استهداف سورية من قبل أميركا و”إسرائيل” وأدواتها وعملائها في المنطقة، الذين وجدوا في الرئيس الأسد صورة طبق الأصل عن القائد المؤسس حافظ الأسد لجهة الوطنية والقومية والعروبة والصلابة والتمسك أكثر بالحقوق والقضايا العربية والدفاع عنها حتى آخر رمق، وكذلك دعم واحتضان كل الأحرار والمقاومين للصهيونية والاستعمار بكافة أشكاله وألوانه.
نختم بغيض قليل من فيض كبير عما قيل في الراحل الكبير، حيث نقتطف كلمات من مقابلة أجرتها مجلة (نيو يوركر) الأميركية مع وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر العام الماضي حيث قال: (إن الرئيس حافظ الأسد هو الوحيد الذي هزمني في الماضي، واليوم تدهشني سورية بشار الأسد، فالشعب بغالبيته الساحقة يحبّه ويقف معه)