الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
في منتدى عقد مؤخراً في ولاية أريزونا، قال هنري كيسنجر، في إشارة إلى الصدام الصيني الأمريكي الجامد: ” إنها أكبر مشكلة لأمريكا، إنها أكبر مشكلة تواجه العالم، لأنه إذا لم نتمكن من حل ذلك، فإن الخطر يكمن في حدوث نوع من الحرب الباردة في جميع أنحاء العالم بين الصين والولايات المتحدة “.
من منظور السياسة الواقعية، فإن هذا “النوع من الحرب الباردة” قد بدأ بالفعل، حيث يُنظر إلى الصين بالإجماع على أنها التهديد الرئيسي للأمن القومي للولايات المتحدة. يضيف كيسنجر أن السياسة الأمريكية تجاه الصين يجب أن تكون مزيجًا من التأكيد على “المبادئ” الأمريكية للمطالبة باحترام الصين والحوار لإيجاد مجالات للتعاون: “أنا لا أقول إن الدبلوماسية ستؤدي دائمًا إلى نتائج مفيدة.. هذه هي المهمة المعقدة لدينا.. لم ينجح أحد في القيام بذلك بشكل كامل”.
يجب أن يكون هنري كيسنجر قد فقد الحبكة الدبلوماسية، ما يشارك فيه الآن وزير الخارجية الصيني وانغ يي ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بدوام كامل، هو إظهار كيف أن “النظام الدولي القائم على القواعد” التي تفرضها الولايات المتحدة لا علاقة لها مطلقًا بالقانون الدولي واحترام السيادة الوطنية.
في البداية كنت قد أرشفت هذه الكلمات المبتذلة من كيسنجر بعيدًا عن الأنظار، ولكن بعد ذلك تقربت من شخص يشغل منصبًا عالياً في الحكومة الأمريكية – كانت واحدة من مصادري القيمة والموثوقة منذ أوائل القرن الحادي والعشرين – سألته إذا كان بإمكاني نشر مقاطع مختارة من تحليله، بدون ذكر اسمه وأخذت الموافقة، وهذه الشخصية – سنسميها السيد س، النقطة الأولى التي نطرحها هي أنه لم يكن كيسنجر هو من وضع السياسة لنيكسون، بل الدولة العميقة، كان كيسنجر مجرد رسول، في عام 1972، أرادت الدولة العميقة الخروج من فيتنام، وهي السياسة التي تم وضعها لاحتواء الصين الشيوعية وروسيا.
أرادت الدولة العميقة تحقيق عدد من الأهداف في الاقتراب من الرئيس ماو، الذي كانت روسيا تستعد له، أراد كيسنجر التحالف في عام 1972 مع الصين ضد روسيا، هذا جعل فيتنام بلا معنى، لأن الصين ستصبح الطرف المحتوي لروسيا وفيتنام لم تعد تعني شيئًا، أردنا أن نوازن بين الصين وروسيا، حينها، لم تكن الصين قوة عظمى، لكنها يمكن أن تستنزف روسيا، مما يجبر الأخيرة على وضع 400 ألف جندي على حدودها، وقد نجحت سياسة الدولة العميقة لدينا.
نحن في الدولة العميقة فكرنا في الأمر بالكامل، وليس كيسنجر، كان 400 ألف جندي على الحدود الصينية يستنزفون ميزانية روسيا، كما أصبحت أفغانستان لاحقًا بأكثر من 100 ألف جندي، وكان لدى حلف وارسو 600 ألف جندي آخر.
وهذا يقودنا إلى أفغانستان: أرادت الدولة العميقة أن تصنع لروسيا فيتنام في أفغانستان عام 1979، كنت من بين المعارضين لها، لأن هذا سيستخدم بلا داع الشعب الأفغاني كوقود للمدافع وكان ذلك غير عادل، تم نقضي، هنا كان بريجنسكي يلعب دور كيسنجر.
كما قررت الدولة العميقة انهيار أسعار النفط، لأن ذلك من شأنه أن يضعف روسيا اقتصاديًا، وقد نجح ذلك في عام 1985، حيث وصل السعر إلى ثمانية دولارات للبرميل، هذا ما أدى لخسارة نصف الميزانية الروسية، بعد ذلك، منحنا الإذن بشكل غير مباشر لصدام حسين بغزو الكويت كخدعة لإرسال جيشنا المتقدم لطرده وإثبات تفوقنا على العالم في الأسلحة، ثم أنشأنا خيال حرب النجوم.. و كان الغرب يتحرك بسرعة نحو التفكك الأخلاقي التام، في غضون ذلك، تستمر حليفتنا الصين في النمو لأننا لم ننته من تفتيت روسيا، والمستشارون الذين أرسلناهم إلى روسيا دمروا الاقتصاد بأكمله في التسعينيات رغم اعتراضاتي.
أخيرًا، أيقظ قصف بلغراد الذي استمر 78 يومًا روسيا وبدأت في إعادة عسكرة ضخمة حيث كان من الواضح أن النية كانت في النهاية قصف موسكو وإزالتها عن الأرض، لذلك أصبحت الصواريخ الدفاعية ضرورية مثل S-300 و S-400 و S-500 وقريبًا S-600.
لقد حذرتُ الدولة العميقة في اجتماعاتنا بشأن الكيفية التي سيؤدي بها قصف بلغراد في عام 1999 إلى إعادة تسليح روسيا وفقدت الحجة.
تعرضت بلغراد للقصف لمدة 78 يومًا مقابل قصف انتقامي لهتلر لمدة يومين. وتستمر الصين في النمو.
وهذا ما قادنا إلى عصر جديد بدأ عمليًا مع الإعلان الصيني عن طرق الحرير الجديدة في عام 2013، تستيقظ الصين على كل هذا لأنها بدأت تدرك أنه تم استخدامها للتو، وأن الأسطول الأمريكي يتحكم في طرق التجارة الخاصة بهم، ويقرر الاقتراب من روسيا في عام 2014، وصناعة ميدان في كييف في عام 2014، لقد تم تنظيم هذا الانقلاب من قبل الدولة العميقة عندما بدؤوا يفهمون أنهم خسروا سباق التسلح.
أرادت الدولة العميقة جذب روسيا إلى فيتنام مرة أخرى في أوكرانيا لاستنزافها وتحطيم أسعار النفط مرة أخرى، وهو ما فعلوه، لقد درست بكين ذلك ورأت النور، أنه إذا تمت الإطاحة بروسيا، فسوف يسيطر الغرب على جميع مواردها الطبيعية، التي يرون أنفسهم بحاجة إليها مع نموهم إلى اقتصاد عملاق أكبر من اقتصاد الولايات المتحدة، وتبدأ بكين في فتح علاقة دافئة مع موسكو تسعى للحصول على موارد طبيعية قائمة على الأرض مثل النفط والغاز الطبيعي من روسيا لتجنب البحار من أجل الموارد الطبيعية بقدر ما تستطيع، في غضون ذلك تسارع بكين بشكل كبير إلى بناء غواصات تحمل صواريخ قادرة على تدمير الأساطيل الأمريكية، إذاً أين مكان كيسنجر في أريزونا الآن؟.
يعكس كيسنجر قلق الدولة العميقة بشأن العلاقة الروسية الصينية ويريد هذا الانقسام مدى الحياة، تمت تغطية هذا بشكل مثير للاهتمام من قبل كيسنجر، إنه لا يريد أن يقول الحقيقة بشأن حقائق توازن القوى، يصفها بأنها “قيمنا”، عندما لم يتبق للولايات المتحدة أي قيم سوى الفوضى والنهب وإحراق مئات المدن، يأمل بايدن في شراء كل هذه الجماهير المحرومة مع انتشار طباعة النقود. لذلك عدنا إلى كيسنجر بصدمة من التحالف الروسي الصيني الجديد.
كانت الولايات المتحدة تتابع أحلام توازن القوى منذ عام 1900 وهي الآن تواجه الانهيار الاقتصادي، هذه الأفكار لا تعمل، لا يوجد سبب يمنع الولايات المتحدة من أن تكون صديقة لروسيا والصين ويمكن حل الخلافات، لكن لا يمكن الوصول إلى القاعدة الأولى لأن اعتبارات توازن القوى تهيمن على كل شيء. هذه هي مأساة عصرنا.
بقلم: بيبي اسكوبار
المصدر: Strategic Culture

السابق