ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
ورغم أنها تزيح – جانباً – بعض أجزاء ورقة التوت الأخيرة، فتكشف عما خلفها وتعلن على الملأ ما لا يريد الكثيرون أن يصدقوه، فإن ما بقي في الزوايا الجانبية منها يبدو أكثر مما ظهر حتى الآن.
فالأدوار الوظيفية حين تصل إلى مرحلة أرذل المهام تصبح رغبة المناكفة لديها أكثر من صنعة، والوظيفة أبعد من احتراف، خصوصاً حين تترافق بكمٍّ لا ينتهي من المؤشرات الدامغة على أن الجغرافية السياسية لم يعد بمقدورها تدوير الإحداثيات أكثر مما فعلت على مدى العقود الماضية، وبات لزاماً عليها قبول حكم التاريخ في نهاية المطاف، وقد دنت تلك النهايات.
على هذه القاعدة يمكن الاستدلال على خفايا ودوافع ما ذهب إليه مجلس التآمر الخليجي في قمته الأخيرة، وما تضمنته السطور الملتوية في بيانه الختامي، حيث يمثل بتورماته المرضية انعكاساً لصورة التماهي مع ما أنتجه على مدى السنوات التي اقتضت إحداثه في مراحل انحسار دور الدول الوجودية على الساحة العربية، في حين تترجم قراراته الهواجس القائمة على أكثر من صعيد بنيوي ناتج عن تهاوي المشهد بعهدته الإقليمية، وتناحر المصالح الذاتية التي تحكمها الانفعالات الوظيفية التائهة في تفاصيل الأدوار القادمة، وماهية العلاقة مع الآخر الحليف منه والسيد، وصولاً إلى الخصم والعدو.
لقد تجاوز مجلس التعاون الخليجي في الماضي مهامه وحتى الأدوار المرسومة له، واستطالت ممارساته وتورمت مهامه الجانبية والهامشية على حساب انحسار موقعه على الخارطة السياسية، فخرج على المألوف مراراً وتكراراً، وتطوع في تقديم الخدمات المجانية، ولم يتردد في عرضها للمساومة والابتزاز حتى لو كان الثمن وجود الأمة وتاريخها.
كان وكراً للتآمر ومقراً للتطاول على الأمة بوجودها وقضاياها، ومنفذاً أميناً للأجندات الأميركية والغربية، كما كان أداة مطواعة في الاستجابة للإملاءات الإسرائيلية ومتطلباتها، وقد خرجت من قاعاته وأقبية اجتماعاته عشرات القرارات والمواقف والمخططات التي تستهدف القضايا العربية.
طوال تلك التجاوزات لم ترتفع الأصوات بما يكفي، ولم يتم وضع النقاط على الحروف في كثير من الأحيان، بل ثمة من كان يدعو دائماً إلى غض الطرف وصرف النظر، وطوال تلك السنوات استمرأ العمل وأضاف من هنا وهناك حتى تراكمت ممارساته في كل التفاصيل، وصولاً إلى الحال الذي بات فيه يشكل المقر العملي لتفريخ أخطر مشاهد الإرهاب دموية واكثر أدواره قذارة، ولتكون لأول مرة في التاريخ في الواجهة العالمية باعتبارها البؤرة التي تتحرك منها ومن خلالها مخافر الإرهاب وجوداً وتنظيماً وتمويلاً وتحريضاً وتنسيقاً.
ورغم ما كان يجري من تباين في الاتجاهات والمواقف داخل مشيخات المال الخليجي، ظل الإرهاب حجر الزاوية التي تتقاطع عنده وعلى احداثياته، وتساوت أدوار هذه المشيخات فيه فرادى وجماعات، وما كان يجري في السر والكواليس أظهرته على السطح وجالت فيه بقاع العالم وعواصمه بحثاً عن أكاذيب جديدة تسوغ استمرار وجودها الوظيفي في عصر يشهد تحولات كبرى في خارطة الأدوار والمواقع والوجود، بعد أن أظهرت التطورات الحاجة لإحداثيات جديدة تنبذ الإرهاب وتقيم العلاقات على أساس المواجهة المصيرية.
لم يكن أحد يريد لهذه المشيخات أن تصل هذا الدرك، لكن الإرهاب بدورة إنتاجه كان لا بد أن يوصلها إلى ذلك القاع الآسن، وكل ما يخرج منه آسن، وكل ما يمكن أن ينتج عنه لا بد أن يكون في نهاية المطاف يشبهه، لكنها تعيد ارتكاب الخطأ مرتين، وتدفع فاتورة الإرهاب مرات ومرات، لأن الاحتماء بالإرهاب يعجّل في النهايات ولا يؤجّلها، يقلص الوقت المتبقي ويضغط باتجاه تقليص الزوايا ومساحة تدويرها ولا يفيد في إضافة فرص جديدة للإرهاب، لتقف تلك المشيخات وقد اعتلت عروشاً من رمال وأنتجت أصحاب جلالة وسمو.. ملوك تنظيمات وأمراء إرهاب وقادة مرتزقة وتجار دم.
a.ka667@yahoo.com