تعتبر شبكات التواصل الاجتماعي أحد أساليب وأدوات قياس الرأي العام، شريطة أن لا يكون ثمة توجيه شبكي مبرمج ومركز للمواقع القائمة على الشبكة العنكبوتية من قبل جهات وأشخاص لهم نفوذ سياسي أو إعلامي أو مالي وغيره من أصحاب المصالح الذين يدفعون باتجاه تلميع بعض الأشخاص أو محاولة تشويه البعض الآخر ووضع معطيات كاذبة وغير صحيحة أمام صاحب القرار على أنها نتائج استطلاع للرأي العام ما يدفعه لاتخاذ مواقف أو قرارات غير صائبة استنادا لتلك المعطيات.
إن هذا النوع من النشاط السلبي والمدمر يصبح أكثر حضوراً وفاعلية عند الحديث عن توجه لإجراء إصلاحات أو تغييرات في مؤسسات الدولة السلطوية والحزبية وغيرها، في إطار السعي لأحداث ديناميكية عالية في المؤسسات التي أصابها الترهل وانعدمت لديها المبادرة أو القدرة على التعامل مع التحديات التي يواجهها المجتمع في ظل أزمات مركبة تمر بها البلاد بحكم الحرب الظالمة التي شنت عليها واستنزفت مواردها وإمكاناتها المادية والبشرية وتعرضت لكل أشكال الحصار والاستهداف الممنهج الذي لم يوفر طاقة وطنية وكتلة فاعلة إلا واستهدفها وعمل على شلّ فاعليتها وقدرتها على العمل والإنتاج.
إن الحديث عن مرحلة وتحديات جديدة تستدعي أول ما تستدعي الأدوات القادرة على التعامل مع الواقع بكل عناصره بكفاءة عالية ورؤية واضحة، لها طابع المشروع متعدد الأهداف والوسائل، واضح النتائج والمقاصد، قابل لقياس المردود والمحصلة يتعامل مع الواقع بعقلية رياضية تعتمد الرقم والمعطى وليس الإنشاء والتعبير، فالسياسة العالمية أصبحت تعتمد بشكل واضح على لغة الأرقام في الاقتصاد والثقافة والتقانة والمعرفة وغيرها من أشكال النشاط الإنساني والحضاري، ولم يعد أحد يعطي بالاً أو اهتماماً للخطاب الأجوف الذي لا يتجاوز الآذان، الخطاب الذي يحرك الأكف دون العقول والتحشيد دون التجديد.
لقد استطاعت السياسة السورية والجيش العربي السوري تحقيق معجزات عسكرية وسياسية خلال سنوات الحرب على سورية، وأبدى الشعب السوري صموداً رائعاً وصبراً غير مسبوق في تحمل نتائج الحرب وكلفتها البشرية والمادية، واستطاعت القليل من المؤسسات تحقيق نتائج معقولة على المستوى الخدمي والإنتاجي رغم ظروف الحرب وتداعياتها، ولكن تلك الحالات لم تتحول إلى ظاهرة عامة تفاعلية بين ثلاثية السلطة ( عقل الإدارة ) والمؤسسة والمجتمع بحيث يصبح الجميع أمام درجة عالية من الفعل عالي الوتيرة مستجمع العناصر واضح الهدف والنتائج، ما أفقد العديد من المؤسسات امتلاك فرصة تأكيد أن الأزمة هي عامل إنجاز ونجاح وتميز وإثبات وجود وليس مبرراً ومشجباً يعلق عليه الفشل والكسل الوظيفي.
إن محاولات بعض وسائل الإعلام وعدد لا بأس به من شبكات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى بعض المنابر الثقافية تعويم بعض الأشخاص أو التشهير بالبعض الآخر وسعيها لتسويق من ثبت ضعف أدائهم هو عمل لا يستقيم مع الدور الوطني فضلاً عن الموضوعية والمهنية والبعد الأخلاقي والإنساني في نهاية المطاف، ولعل المتابع للمشهد ولو في حدود خبرة بسيطة يلحظ أن ثمة أبواق قد بدأت تعلي الصوت تضخيماً أو تقزيماً مديحاً أو هجاءً بهدف الحفاظ على شخصيات قد يطالها التغيير أو تكون في دائرة الخيارات للمهام والمواقع الذي يجري الحديث عنها، مع قناعتنا بأن مركز الإقرار ليس بالتأكيد أسير تلك المراكز فثمة رؤية وذائقة اختيارية كرستها التجربة يضاف إليها مؤسسات وجهات وأشخاص ثقاة يمتلكون من الكفاءة والخبرة والمعرفة المعيارية والحس الوطني ما يؤهلهم لوضع الصورة الصحيحة والواقعية والخيارات النظيفة لتكون هي لا غيرها رافعة التغيير والإصلاح المنشود ويتم تجاوز الآلية التي ثبت عدم نجاعة الكثير من خياراتها أو لنقل اقتراحاتها لإسناد المواقع الأساسية لانطلاق بعضها من مصالح شخصية ضيقة ومحاولات هيمنة على المواقع القيادية استثماراً في ما يوفره الموقع من قدرة على الترشيح أو الإعفاء، وليكون أيضاً عامل ضغط وابتزاز للمسؤول.
إضاءات – د. خلف المفتاح