الحق في القول أمر صعب التحقق، والصدق ميزة ثقيلة الوقع في نفس المتلقي، ينطق به الراسخ في العلم،الواقف على أرض صلبة.
يقضي المرء الجزء الأكبر من عمره يبحث عن سراب الملك، ليكتشف بعد حين أن الراحة في الرضا والتجاهل والترفع عن صغير العمل وسخيف القول.
كان سليمان العيسى يتصدى لقضايا الأمة ومشكلات المجتمع العربي وأزمات المجتمع السوري، وأمضى عشرات السنين يرهق نفسه فيها شعراً وتحليلاً سياسياً واجتماعياً لا ينتهي، ليقف بعدها عند حدود الطفولة، يعود إليها صادقاً متمثلاً جوهرها، فيعيش تفاصيلها متجاهلاً فعل الزمن والشيخوخة وطول العمر، وينقي نفسه من أدران الحقد والكراهية والحسد، فعاش عشرة عقود عزيزاً كريماً ومكرماً.
هذا واحد من النماذج التي لم يتجه إليها المحللون النفسيون والاجتماعيون كواحدة من حالات التحول في الموقف والسلوك، فهو قد حافظ على الهدف البعيد، لكنه اختار الطريق المختلف بعدما عرف أن الطريق السابق لا يمكن أن يؤدي إلى ذلك الهدف البعيد.
لقد كان الهدف متمثلاً في تلك الرسالة الحضارية الخالدة للأمة العربية التي حملت الثقافة والحضارة والعلوم للعالم أجمع في فترة سبقت، وهو واحد ممن يؤمنون بضرورة وحتمية استعادة ذلك الدور وتلك المكانة، وتوصل إلى حقيقة الفشل في الأساليب والمناهج التي سلكتها مختلف السلطات التي تنكبت مهمة حمل تلك الرسالة فسقطت وفشلت أو تراجعت من حيث اعتقدت أنها امتلكت عوامل النجاح، فاختار البدء بمشروع كبير يقوده مبدع كبير ويعتمد البساطة في زرع القيم النبيلة في نفوس الناشئة من أطفال الوطن العربي، فامتدت قصائده وأناشيده سلسة قوية على امتداد هضاب وسهول وصحارى وجبال وسواحل البلدان العربية جامعاً فيها تلك القيم التي عجزت الحكومات والتنظيمات والأحزاب السياسية عن نشرها وتوصيلها للناس.
ما ينطبق على الفرد كان يمكن أن ينطبق على الحكومات والأحزاب والتنظيمات فتجري مراجعات مستمرة للمسار التطبيقي في ظل استمرار التمسك بالهدف البعيد أو المبدئي، فيتم تغيير الأشخاص والقيادات والأدوات واستبدالهم بغيرهم من الأكثر قدرة واستجابة لتحقيق الأهداف المنشودة، ولا يتم التراجع عن الأهداف أبداً، فتغيير الأسلوب والمنفذ يكون أداة الإصلاح وليس تغيير الأهداف واستبدالها بمكاسب آنية صغيرة تسقط الهدف الأسمى.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد