الأبحاث العلمية مصيرها غبار الزمن ورفوف المكتبات والحل بالشراكة المستدامة بين المخرجات البحثية وحاجات المجتمع

الثورة أون لاين – تحقيق – جاك وهبه:

يكمن الاستثمار الحقيقي للبحث العلمي في إيجاد الشراكة المستدامة بين المخرجات البحثية وحاجات المجتمع وتطلعاته ورغباته، ولا يتحقق ذلك إلا إذا تضافرت الجهود نحو تحقيق الأهداف، مما يتطلب تعاوناً وثيقاً بين الجامعات والمؤسسات المختلفة للوقوف على قدرات الجامعات العلمية والتقنية من جهة، والتعرف على حاجات مؤسسات المجتمع المختلفة بعامة، والمؤسسات الإنتاجية بخاصة من جهة أخرى، بهدف تحديد مسارات بحثية واضحة يمكن أن تسهم برقي وتقدم مجتمعاتها، والتنسيق فيما بينها لتحقيق غايات وأهداف مشتركة، تعود بالفائدة والمنفعة على جميع الأطراف ذات العلاقة.

*مشكلات وصعوبات
ولأهمية هذا الموضوع كان لابد من الإجابة على السؤال التالي: هل يتم استثمار مخرجات أبحاث الدراسات العليا (ماجستير – دكتوراه) أحد المكونات الأساسية للنتاج البحثي للجامعات السورية من خلال ربطها بمتطلبات المجتمع لتساهم في تقدم الوطن وترفع ترتيب جامعاتنا بالتصنيف العالمي خاصة.
السطور المقبلة، تحاول تشخيص المشكلة، والبحث عن مسبباتها، وكيفية التعافي منها.
*محاور محددة للأبحاث..
“من المهم أن يكون هناك محاور معينة للأبحاث تحددها الجهات التنفيذية ليتم العمل عليها لتكون ذات جدوى منها فالأفضل أن تنبع الدراسات من احتياجات هذه الجهات” بحسب ما قالته بشرى اسماعيل الطالبة في السنة التدريسية الأولى بالمعهد الوطني للإدارة العامة مضيفة أنه بالنسبة لطلاب المعهد تكون الأبحاث التي يعملون عليها عادة نابعة من احتياجات جهة عامة معينة حيث أنها الأكثر قدرة على تحديد المشكلات التي تواجهها وتتطلب أبحاثا لحلها وتوجهات البحث الذي يحل هذه المشاكل.
*ايجابية تسهل على الباحث
وشاركتها الرأي رشا الفتى وهي طالبة ماجستير في كلية العلوم السياسية بدمشق مؤكدة أن وضع محاور معينة للدراسات والأبحاث ليختار بينها الطالب هي من ناحية إيجابية تسهل على الطلاب والباحثين إيجاد سريع لفكرة البحث التي تلبي متطلبات الوزارات والجهات الأخرى وحل مشاكلها من قبل الطلاب الذين هم الرافد الأول للأبحاث التي تتطلبها حاجة الوزارات، ومن ناحية أخرى من الممكن أن تكون سلبية فمن الممكن أن يكون لدى الطالب مشكلة بحثية مهمة وغير متوافرة ضمن المحاور المطروحة.

r12.jpg

*حبيسة المكتبات..
بدوره وائل مصطفى الهرش طالب الماجستير في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق قال: “نحن في كلية الاقتصاد نطرح مشاكل متعلقة بطبيعة المتغيرات الكلية بشكل عام مثل محاربة مشكلة البطالة وتمويل العجز وغيرها وكل هذه المشاكل حلولها تأتي أولاً وأخيراً من قبل طلاب الدراسات العليا والتي يشكل طلاب الماجستير العدد الأكبر منهم وبالتالي فإنتاجهم من حيث الأبحاث يكون أكثف حتى لو أنه لم يكن بسوية عالية كما أساتذتنا ولكن بتوجيه من أساتذتنا نستطيع الوصول إلى نتيجة من الممكن الاعتماد عليها من قبل متخذ القرار الاقتصادي”.

 

r13.jpg
متابعا: “هذا الشيء يصبح ممكناً إذا وصلت أبحاثنا إلى متخذ القرار أي إنها إذا بقيت حبيسة المكتبات لا يمكن أن يتم الاستفادة منها وإنما ستتقادم مع مرور السنوات فعلى سبيل المثال إذا قمنا بإجراء دراسة عام ٢٠١٠ لا يمكن أن يتم تطبيقها في ٢٠٢٠ نظرا لتسارع الأحداث بالتالي يجب العمل على بدء التشبيك مع الجهات العامة والخاصة نظراً لوجود مواضيع يجب أن تكون ممارسة في السوق لتستفيد منها هذه الجهات”.
*تبقى في الإطار الأكاديمي..
بين الأستاذ الدكتور فادي الخليل نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون العلمية: أهم مشكلات وصعوبات البحث العلمي المتمثلة في الضعف الشديد في الإعلام عن نواتج البحوث التي تجري في الجامعات ومراكز البحوث، والتي تبقى في الإطار الأكاديمي، وقلما يعرف عنها أصحاب المصلحة في المجتمع، إضافة لضعف الدعم المادي والمعنوي للانتقال بنواتج البحث الجامعي من مرحلة النموذج المخبري الناجح إلى التسويق وإنتاج السلعة، وإلى خدمة المستفيد النهائي، مشيراً أن احتياجات الصناعة حقيقية والصناعة بشكل عام تدرك مشكلاتها ومع ذلك فإن قلة من الأشخاص في الصناعة والجمعيات الصناعية قادرون حالياً على ترجمة هذه المشكلات إلى احتياجات ومتطلبات للبحث والتطوير أو الابتكار، منوهاً أن معظم المؤسسات العامة والخاصة بغض النظر عن طبيعة عملها تفتقد وجود وحدات للبحوث والتطوير.
*عدم الربط بين الحاجات والأهداف..

وتابع الخليل أن هناك ضعفا في ثقافة البحث والتقصي في المجتمع عموماً للتعرف على الاحتياجات المجتمعية الملحة وللسعي لإيجاد الحلول العلمية لها من خلال البحث والتطوير (البحث المجتمعي)، كما يوجد ضعف في ثقافة الربط بين الحاجات المجتمعية وأهداف البحوث، ونوه إلى اعتماد معظم الباحثين على أوضاعهم الخاصة في تحديد أولويات البحوث، واستمرار معظمهم في متابعة بحوثهم التي بدؤوها في مرحلة الدكتوراه، بدلاً من البحث في أولويات الاحتياجات المجتمعية حولهم، مشيراً أنه في معظم الجامعات يتركز النشر في مجلات عالمية محكمة بقصد الترفيع (سياسات الترقية)، ولا تعطى قيمة لعلاقة البحوث المنجزة في المؤسسات الأكاديمية بتلبية الاحتياجات المجتمعية.

*إنفاق الملايين على الدراسات..
فبحسب تقرير البحث العلمي والدراسات العليا الصادر عن جامعة دمشق بلغ عدد الأبحاث المسجلة خلال عام ٢٠٢٠ من قبل أعضاء الهيئة التدريسية ١٧ بحثاً بحجم تمويل يساوي ٧.٢ ملايين ليرة سورية توزعت على مختلف الاختصاصات العلمية في جامعة دمشق.
كما بلغ عدد أبحاث الدراسات العليا التي يقوم بها طلاب الدارسات العليا في الاختصاصات السريرية في كلية الطب بالإضافة لأبحاث الماجستير والدكتوراه في الاختصاصات المختلفة ١٤٢٤ بحجم تمويل يساوي ١١٢.٢٨ مليون ليرة سورية توزعت على مختلف الاختصاصات العلمية في جامعة دمشق وتنوعت ما بين ٢٥٨ بتمويل ١.٥٢ مليون ليرة سورية لمرحلة الدراسات العليا في التخصصات السريرية الطبية و٨٩٤ بتمويل ٥١.٤١ مليون ليرة لمرحلة الماجستير و ٢٧٢ بتمويل ٥٩.٣٥ مليون ليرة لمرحلة الدكتوراه.
في حين كان عدد الرسائل المنجزة ٩٥٩ رسالة وبحجم تمويل يساوي ٦٣.٠٥ مليون ليرة سورية توزعت مابين ١١١ بحثاً لمرحلة الدراسات العليا في التخصصات السريرية الطبية و٥٩٦ بحثاً بتمويل ٣٠.٥٢ مليون ليرة سورية لمرحلة الماجستير و ٢٥٢ بحثا بتمويل ٣٢.٤٣ مليون ليرة لمرحلة الدكتوراه.

*استثمار ضئيل لأبحاث الدكتوراه..
ورغم هذا العدد الجيد من الأبحاث إلا أن نسبة استثمار أبحاث الدكتوراه ضئيلة جداً بحسب ما بينه لنا الدكتور غيث ورقوزق مدير البحث العلمي في جامعة دمشق وعزا ذلك لوجود مشكلة تتعلق بإظهار نتائج هذه الأبحاث، فبعد نجاح طالب الماجستير برسالته وتقديمها تبقى بالأرشيف والأدراج ولا يوجد إمكانية لاطلاع الوزارات عليها، وقد عملت الجامعة حالياً على تجاوز ذلك من خلال وضع هذه الأبحاث على موقع مديرية البحث العلمي في الجامعة وأصبح من الممكن لأي وزارة أن تطلع على أي بحث تريد وعلى أساسه من الممكن أن تعود لمخاطبة المديرية أو رئاسة الجامعة لكي تحصل على الأطروحة بنسختها الكاملة لتتواصل مع الباحث ليتم استثمار الرسالة بالشكل الأمثل.

 

r14.jpg

*صعوبة الاستثمار الجدي للرسالة
أما بالنسبة لرسائل الماجستير فيتم استثمار نسبة معينة منها حيث إن غالبية طلبة الماجستير موظفين في القطاع الحكومي ويقومون بإجراء البحوث في مجال اختصاصهم، منوهاً إلى وجود مشكلة في إمكانية إعادة تفعيل هذا الاستثمار الكامل للرسالة بشكل جدي أو تطوير مراحل.
وأشار ورقوزق أن جامعة دمشق قامت بعدة ورشات واجتماعات مع باقي الجهات الحكومية لربط الجامعة مع المجتمع وايجاد الأسس والطرق الكفيلة بتفعيل هذا الربط فعلياً، إضافة إلى وضع مصفوفة تنفيذية بمحاور محددة ومن سيقوم بالمهمة بكل محور مع وضع إطار زمني تقريبي لكل محور من هذه المحاور.

*مكاتب استشارية للبحث
الدكتور محمد علي محمد مدير السياسات الاستراتيجية ودعم القرار في وزارة الاتصالات قال: “نحن كوزارة اتصالات وتقانة لنا خصوصية معينة فالمتغيرات دائمة في مجال عملنا وتتطلب مواكبة مستمرة وهناك استفادة من أبحاث الماجستير والدكتوراه ولدينا الكثير من طلاب الماجستير بعدة جامعات الذين نشرف على رسائلهم ونفتح لهم المجال بالتطبيق على البيانات والتجهيزات الخاصة بالوزارة”، وأشار إلى أهم التحديات البحثية للوزارة والمتعلقة بنقل البيانات الحكومية والتوقيع الالكتروني إضافة إلى التركيز الكبير على التحول الرقمي وتحليل البيانات الضخمة وخاصة فيما يتعلق ببيانات الزبائن والترميز الوطني للبريد السوري، مشدداً على أهمية الوصول إلى أبحاث تخدم عمليات كشف الاحتيال في مجال الاتصالات وتطوير شبكات الجيل الخامس والنمذجة الرقمية للأحواض المائية السطحية والجوفية والنقاط البحثية وغيرها من الأمور التي تخدم جانب الإعمار.
وتمنى محمد أن يتم ربط الأبحاث على مستوى كافة الوزارات ليبقى البحث العلمي بخدمة المجتمع والجهات العامة دائماً ولا يكون عبارة عن ترف، مؤكداً أهمية مواجهة التحديات الموجودة حاليا، متسائلاً لماذا لا يكون لدى الوزارات مكاتب استشارية أو مكاتب خاصة تعنى بالبحث العلمي.

الهدف من التشاركية
وأكد الدكتور ماجد أبو حمدان رئيس قسم علم الاجتماع في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق ان الهدف من التشاركية بين الجامعة ومختلف الوزارات والمؤسسات الرسمية والأهلية التعرف من خلال التنسيق والحوار المباشر بين الجامعة والوزارات والمؤسسات الرسمية والأهلية على المشكلات التي تحتاج إلى البحث العلمي للكشف عن الأسباب الحقيقية التي أحدثتها، بغية الوصول إلى النتائج العلمية التي يبني عليها الباحثون المقترحات العلمية والتوصيات الهادفة إلى إيجاد آلية منهجية لعلاج المشكلة، وبالتالي يتحقق عنصر هام من عناصر ربط الجامعة من خلال ما تنجزه بكلياتها وأقسامها المتنوعة من بحوث علمية تطبيقية بالمجتمع.

 

r15.jpg

مشيراً إلى ورشة البحث العلمي التي نظمتها مؤخراً جامعة دمشق تحت عنوان “نحو تشاركية بحثية تطبيقية” بأنها تشكل الخطوة الهامة بهذا الاتجاه الذي يسعى إلى إنجاز البحوث العلمية وفق معايير الجودة العالية، الأمر الذي ينعكس إيجابياً على المجتمع.

 

* لا يوجد جهة تتبناها..
بحسب ما أكده الدكتور محمد فراس حناوي نائب رئيس جامعة دمشق أهمية الطروحات في (ورشة البحث العلمي) أنها بداية لطريق طويل على أمل الوصول إلى بحوث تعود بفائدة كبيرة علمية، ومادية ومعنوية للمجتمع، في ظل توفر الامكانيات والمقومات اللازمة للعملية البحثية من أساتذة متميزين وطلاب مجدين وعاملين متمرسين في وزارة التعليم العالي والمؤسسات التي ترغب بالتعاون إلى أبحاث هادفة ترفع من ترتيب الجامعة في التصنيف العالمي وتترك بصماتها في ميدان تطوير البحث العلمي، مضيفاً: “أن ما يحز بالنفس امتلاكنا لكل الإمكانيات ومع ذلك لا يتم استغلالها أو الاستفادة منها وهذا ما نلمسه من رسائل الدكتوراه والماجستير المُنجزة التي توضع على الرفوف”، مبيناً أن أغلب الأبحاث التي تنجز ربما لا تكون مفيدة للبلد أو مفيدة ولا يوجد جهة تتبناها وبالتالي هذه الأبحاث تنتقل إلى الرفوف.

 

r16.jpg
مؤكداً أن هذا الأمر قد اختلف من الآن وصاعداً، ولن يتم الانطلاق من أي فكرة لأي رسالة إذا لم تكن لها حاجة مجتمعية، مشيراً ان الدول المتقدمة تنفق على البحث العلمي مبالغ كبيرة لأنها تعلم أنه بالنهاية سيعود عليها بعدة فوائد معرفية وعلمية ومنها فوائد مادية، حيث إن هذه الأبحاث تخرج بنتائج من الممكن تسويقها والاستفادة منها، متسائلاً لماذا لا يكون في سورية نموذجاً مشابهاً وأن نبدأ الآن رغم أننا متاخرون ولكن أفضل من أن لا نبدأ.
وتابع حناوي أنه في هذا العام تم رصد ميزانيات مالية توزعت على الجامعة والوزارات ممكن أن تصب في مصلحة البحث العلمي وبالتالي كل بحث سيتم العمل عليه سيكون هادفا بالدرجة الأولى ويخضع لاهتمام جهة معينة وسيتم السعي لتطبيقه على أرض الواقع ليستفيد منه البلد.
وكشف أن الجامعة ستقوم بتوزيع العناوين البحثية أو المحاور على الكليات لتكون هي المحاور الأساسية التي سيعمل عليها طلاب الدراسات مما سيسهل على الطالب البحث عن أفكار لبحثه العلمي.
وأضاف أن كل الوزارة ستنشئ مديريات نقل التقانة مهمتها الاعتناء بموضوع الربط البحثي مع الهيئات (الجامعة).

آخر الأخبار
مخبز بلدة السهوة.. أعطاله متكررة والخبز السياحي يرهق الأهالي عودة الحركة السياحية إلى بصرى الشام خبير اقتصادي لـ"الثورة": "الذهنية العائلية" و"عدم التكافؤ" تواجه الشركات المساهمة اشتباكات حدودية وتهديدات متبادلة بين الهند وباكستان الرئيس الشرع يلتقي وزير الزراعة الشيباني أمام مجلس الأمن: رفع العقوبات يسهم بتحويل سوريا إلى شريك قوي في السلام والازدهار والاقتصاد ... "الصحة العالمية" تدعم القطاع الصحي في طرطوس طرطوس.. نشاط فني توعوي لمركز الميناء الصحي  صناعتنا المهاجرة خسارة كبيرة.. هل تعود الأدمغة والخبرات؟ ترجيحات بزيادة الإمدادات.. وأسعار النفط العالمية تتجه لتسجيل خسارة تركيا: الاتفاق على إنشاء مركز عمليات مشترك مع سوريا "موزاييك الصحي المجتمعي" يقدم خدماته في جبلة تأهيل طريق جاسم - دير العدس "بسمة وطن" يدعم أطفال جلين المصابين بالسرطان اللاذقية: اجتماع لمواجهة قطع الأشجار الحراجية بجبل التركمان درعا.. ضبط 10 مخابز مخالفة تربية طرطوس تبحث التعليمات الخاصة بامتحانات دورة ٢٠٢٥ مُنتَج طبي اقتصادي يبحث عن اعتراف سوريا أمام استثمارات واعدة.. هل تتاح الفرص الحقيقية للمستثمرين؟ دعم أوروبي لخطة ترامب للسلام بين روسيا وأوكرانيا