الحق مع المواطن في الحسكة عندما لا يريد أن يتذكر كيف كان واقع الحال بالنسبة لمياه الشرب وكيف اصبح الآن ؟ فالمعاناة اليومية الكبيرة التي مضى عليها سنوات وتفاقم مشكلة المياه يوماً بعد آخر لدرجة التهديد بالعطش الدائم يجعل المواطن مشغولاً بمعاناة اليوم ولا وقت لديه للتغني بأيام الرخاء .
لكن حقيقة الأمر لا يجوز أن ننسى أو نتناسى أصل الحكاية ، لا بل من المؤكد أننا عندما نعرف الأسباب الحقيقية للمشكلات التي تواجهنا نستطيع الوصول إلى الحلول المناسبة لها .
من هنا يبدو مفيداً التذكير بأن واقع الحال في الحسكة لم يكن كما هو عليه الآن ، ولم تكن الحسكة كما هي الآن في مختلف المجالات .
وبما أن معاناة مياه الشرب تجاوزت حدود التحمل والصبر والانتظار يجب ألا ننسى أنه لو لم يحدث ما حدث خلال سنوات الحرب العدوانية على سورية لم يكن مشروع آبار علوك الذي تتحكم به قوات الاحتلال التركي اليوم هو المصدر الوحيد للمياه قبل أن تستهدف الحرب كل المشاريع الاستراتيجية التي أطلقتها الدولة حيث دمرت الحرب بعضها وعطلت تنفيذ الآخر، في حين كان المأمول من تلك المشاريع تحقيق نهضة تنموية لمنطقة الجزيرة وأهمها مشروع جرّ مياه دجلة، ففي العاشر من آذار 2011 وضع السيد الرئيس بشار الأسد حجر الاساس لمشروع جر مياه نهر دجلة، إلا أن الحرب العدوانية على سورية أوقفت العمل به،
ومن المشاريع الأخرى التي عملت الدولة على وضعها في الخدمة لتكون مصدراً مهماً لمياه الشرب لمدينة الحسكة مشروع سدي الحسكة الشرقي والغربي بريف مدينة الحسكة الشمالي حيث كانت مدينة الحسكة تعتمد عليهما بشكل رئيسي سابقاً وكانت تتم تغذية هذين السدين من منطقة ينابيع رأس العين عن طريق قناة مكشوفة، لكن توقف استثمار السدين نتيجة ما تعرضت له تجهيزات الآبار الكهربائية والميكانيكية من عمليات سرقة ونهب من قبل المجموعات المسلحة التي احتلت رأس العين في أواخر عام 2012 وقيام ميليشيا قسد بالسطو على جميع الآليات والتجهيزات والأجهزة العائدة لمديرية الموارد المائية خصوصاً الآليات الهندسية الثقيلة، إضافة لإقامة الاحتلال الأمريكي قاعدة عسكرية بالقرب من جسم السد الغربي ومنع مديرية الموارد من استثمار هذه الأجهزة.
و اليوم النظام التركي يواصل استخدام مياه الشرب كسلاح حرب ضد الأهالي في محافظة الحسكة بسبب رفضهم الاحتلال على الرغم من أن العالم كله يعرف أن قطع المياه يشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الإنساني الدولي .
وفي الوقت الذي تستمر وتتفاقم فيه المعاناة يبقى السؤال المزمن أيضاً بلا أي نوع من رجع الصدى ويبقى الحل الدائم غائباً ، أما السؤال فهو : أين دور المنظمات والهيئات الإنسانية العاملة على الأراضي السورية وفي محافظة الحسكة تحديداً ؟ وأين دور منظمة الأمم المتحدة التي لم تستطع أو أنها بكل وضوح لا تريد أن تعمل على وقف هذه الانتهاكات وإنقاذ حياة مئات الآلاف من سكان الحسكة ، وتحميل النظام التركي وشركائه في هذه الجريمة مسؤولية هذا الإجرام وفق النصوص القانونية والمعايير الإنسانية ، وايضاً متى تكون الأمم المتحدة على مستوى المسؤولية وتتحرر من سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية؟ .
أما السؤال الكبير الذي يطرح نفسه كل يوم وكل لحظة متى يزول الاحتلال الأمريكي والتركي لأنه بزوال الاحتلال تزول كل أشكال المعاناة وليس معاناة مياه الشرب وحدها ، لأن المياه موجودة في الحسكة ومصادرها متوفرة لكن قوات الاحتلال التركي ومرتزقته هم الذين يسيطرون على محطة ضخ المياه في علوك شرق مدينة رأس العين المحتلة من قبل النظام التركي، والكل يعلم أن هذه المحطة هي المصدر الوحيد الذي يغذي مدينة الحسكة ، فهل أصبحت الحسكة مدينة منسية متروكة للقضاء والقدر وتحت رحمة الاحتلالين التركي والأميركي، أم إن أهلها النشامى الذين صبروا وصمدوا طوال سنوات الحرب يدركون الأسباب الحقيقية للمعاناة ومن يتسبب بها ولذلك لن ينتظروا كثيراً.
الكنز- يونس خلف