النزعة الاستهلاكية التي تفرضها المجتمعات الصناعية المتطورة التي قفزت فيها الحداثة أصبح الإنسان عبداً لما يُنتجه، بدلاً من أن يكون المنتج في خدمة الإنسان، وهو ماأدى إلى أن يصبح الإنسان أكثر شكّاً وقلقاً وعزلة وخوفاً في مجتمع لم يعد مهتماً لبناء علاقات إنسانية طبيعية وسليمة بين أفراده على حدّ تعبير الفيلسوف وعالم النفس الألماني “إريك فروم”…
بعض النماذج المحيطة والعديد من أفراد مجتمعاتنا تأثرّت بتكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال وبكلّ أسف أصابتهم بعدوى الكآبة وحالات التذمّر وعدم الرضا عن كلّ شيء، دون الالتفات إلى كون أنّ الإنسان على صعيده الشخصي والذاتي قد يكون سعيداً نظراً للظروف المحيطة به ولما هو مُتاح بين يديه، لكن تغيّر أنماط الحياة المعتادة وبشكل شبه قسري فصلته عن محيطه ودفعته نحو الانكفاء مع شعور بالعجز والإحباط…
تلك كانت شبه مقدمة لنصل إلى أن الثقافة المتزعزعة والهوية المنقوصة أو بمعنى أشباه الثقافة والمثقفين الذين بكلّ أسف أصبح متاحاً لهم وبشكل كبير فرض تلك الثقافات المنقوصة ويمكن أن يُقال (الموبوءة) على تطلعات الناس دون أن تقدّم حلولاً، تسيطر على عقول الناس وعواطفهم من منابر مختلفة وتُدخلهم في دائرة مغلقة من القنوط والانكسار…
فرصة الخروج من تلك الدائرة تكمن في امتلاك أدوات التغيير والإرادة في امتلاك الموضوعي منها الذي يُتيح تحديد الأهداف والسعي لتحقيقها، وبالتوازي مع ذلك نحتاج ثقافة ترعى وتحترم علماءها ومفكريها ومثقفيها الحقيقيين وخبراتهم، بدءاً من الفرد المتلقي وليس انتهاء بسياسة الدول والمجتمعات…
العلّامة العربي المتصوّف أبو حيان التوحيدي حرق كتبه في حالة يأس وقنوط احتجاجاً على الظروف، هذا الاحتراب الذي لاجدوى منه هو احتراب سلبي يخلق فجوة بين المتلقي ومفكريه، هنا لغط كبير في أداة التعبير، فمسؤولية المفكّر والمثقّف لا تُنتج السلبيات…
الدائرة الحياتية المجتمعية الثقافية لتكتمل دورتها تبقى رهن أن يكون المركز فيها راسخاً وعميقاً وفعّالاً يحقّق التوازن والجاذبية، والمركز هنا هو المثقّف الحقيقي والمفكّر المناضل والأديب والكاتب المبدع المتجذّر في الإنسانية وتطوّر المجتمعات…
وإلى كلّ هؤلاء لاتتخلوا عن مركزيتكم في مجال كرتنا الأرضية لمن يزعزع توازنها وتوازننا من أشباه كلّ شيء في الثقافة والفنّ والفكر والأدب و.. و….
رؤية – هناء الدويري