واضح أن الإدارة الأميركية بقيادة جو بايدن لم تمتلك الإرادة السياسية الكافية لتغيير السلوك الأميركي المدمر للعلاقات الدولية، وهي لا تزال تعزف على وتر التصعيد في مختلف الجبهات ، وتتكئ على شركائها الأوروبيين في زرع الألغام أمام جهود الدول الساعية لحل الأزمات عبر سياسة التفاهم والحوار.
الولايات المتحدة وأتباعها الغربيون، ما زالوا يراهنون على سياسة التحالفات الاستعمارية لتحقيق أجنداتهم التوسعية على حساب الأمن والسلم الدوليين، ونلاحظ من خلال زحمة الاجتماعات الدولية التي تترأسها واشنطن -( مجموعة السبع، وقمة الناتو قبل أيام، واجتماع روما المقرر بعد غد لأعضاء التحالف الأميركي المزعوم لمحاربة “داعش”)- أن أميركا تجيش معسكرها ليبقى في يدها عصا ترهيب وتهديد يخدم سياسة المساومة والابتزاز التي تمارسها على المسرح الدولي، وربما حادثة انتهاك المدمرة البريطانية “ديفيندر” المياه الإقليمية الروسية لإثارة النزاع في البحر الأسود لن تكون الاستفزاز البريطاني الأخير، فـ”الناتو” لم يتوقف عن تأجيج التوترات العسكرية والسياسية بحق روسيا، من دون أن يحتسب لتداعياتها الخطيرة على الأمن الأوروبي بأكمله، وهذا الاستفزاز يثير الكثير من الشكوك حول الجدية الأميركية بترجمة مخرجات القمة الروسية -الأميركية الأخيرة في جنيف، لجهة التعاون من أجل تعزيز الاستقرار الاستراتيجي العالمي.
اجتماع روما لما يسمى “التحالف الأميركي” لمكافحة “داعش”، والمقرر أن تتزعمه واشنطن بعد غد، ستقيم الأخيرة على هامشه اجتماعاً موازياً يخص الأوضاع في سورية، وهنا، فإن التهديد بإعادة إحياء “داعش” لن يكون مستبعداً في سياق الضغوط الأميركية لتوسيع المعابر الحدودية غير الشرعية، بهدف إيصال المزيد من السلاح والعتاد للتنظيمات الإرهابية تحت مسمى “مساعدات إنسانية”، لأن هدف أميركا تقوية شوكة إرهابييها، ومنع الدولة السورية من إعادة بسط سيطرتها على كامل أراضيها، وليس بواردها على الإطلاق العمل على إيجاد حل سياسي ينهي معاناة السوريين جراء الحرب الإرهابية المتواصلة، فأي حل يتوافق مع مصلحة السوريين يعني حكماً الإجهاز نهائياً على مشروعها الاستعماري وأدواته الإرهابية.
عودة أميركا لوضع العصي مجدداً أمام مفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي الإيراني، هو تصعيد جديد أيضاً للالتفاف على أجواء التفاؤل التي سادت الجولة السادسة من المحادثات، فكلام انتوني بلينكن بأن بلاده لن تبرم اتفاقاً مع إيران إلا في حال التزمت طهران بالتزاماتها يعني إعادة المفاوضات إلى المربع الأول، وحديث وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان بأن بلاده تنتظر من إيران “خطوات صعبة” لإنجاز الاتفاق، يعني انجرار أوروبا مجدداً خلف سياسة التبعية الأميركية، وهذا يشير إلى أن أميركا تحاول اللعب بأدواتها الأوروبية مجدداً لمنع خروج إيران من دائرة الاستهداف والضغوط، للتأثير على دورها كقوة إقليمية صاعدة، وكل ذلك يصب في إطار السياسة الأميركية لجهة الاستمرار بزعزعة الاستقرار في المنطقة، وفق ترتيبات وقواعد جديدة يتم التحضير لها مع حلفائها الغربيين.
أميركا ما زالت ترفض التعايش مع حقيقة المتغيرات الحاصلة في موازين القوى العالمية، ولا تريد الانعتاق من عقليتها الاستعمارية، رغم الفشل المتراكم الذي يصيب مخططاتها ومشاريعها العدوانية لتثبيت هيمنتها الأحادية، ولكن بايدن الذي بشر سابقاً شركاءه الغربيين بـ”عودة التحالف بين ضفتي الأطلسي” لإعادة ترسيخ زعامة الولايات المتحدة، لن يكون قادراً على فرض الزعامة الأميركية تلك سوى على أتباعه من الدول المرتهنة فقط، أما الدول ذات السيادة والقرار الحر، فهي من ستفرض معادلاتها وشروطها، وتقود العالم نحو نظام دولي جديد لا مكان فيه لنهج الهيمنة والتسلط الأميركي.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير: ناصر منذر