قلق!..

 

الملحق الثقافي:غسان كامل ونوس *

منذ حينٍ قريب، اختتم الربيع مهرجانه، وغادر حيّزه المرصود، مع بقاء أصدائهِ وبصماتهِ وبعض من بقاياه، التي تشهد معه وعليه.. في حساب الفصول، وفي عداد الفصول، هو الأبهى والأكثر فوحاً وبوحاً، بكوامنِ الخصب، ومعالم الحياة! هذا معلومٌ ومفهوم، ومنتظر هذا العام، وكلّ عام.
لكن، ليس لهذا، لم أفاجأ ببساط الخضرة، ينفرش بأناقةٍ في مختلفِ المساحات، ولا بالأزهار الملوّنة، تتلألأ في كلّ ركنٍ، تزيّن أشجاراً وشجيرات قبل اكتسائها المخضرّ؛ ولم تدهشني الغيماتُ، التي بدأت تتنابذ، وتتناثر في مديات الصحو الشاسع، والأسوارُ المزهوّة، التي تتناهض في ضفافِ الدروب، والهواءُ، الذي بدأ نوسانه العليل مع خفوت برودته، التي كانت تهيمن على الأحياء والأشياء أشهراً عدّة؛ ولم أكترث بالقرص الوهّاج، وهو يقسو بالتدريج على الكائنات؛ التي ما تزال حذرة في تحرير انكماشها، ومتردّدّة في إظهار الجلود المختبئة داخل حصون وفنون..
لم أُفاجأ بكلّ هذا الذي يتكرّر حوليّاً؛ بتفاوتٍ زمنيّ وتباين مشهديّ، يكادان لا يُحسبان في سجلّ السنين، المحفوظ في الذاكرة المكتظّة، والمدوّنات المصفرّة، ولو إلى حين!.
مفاجأتي تمثّلت بأنّني لم أنشغل بهذا الحضور النابض بالألوان والعطور، ولم يحضرني ذلك الإحساس، الذي اعتدت على مشاكسته؛ بسبب هذا الاحتفال الدوريّ والتجدّد القدريّ، والضحك المبرمج، والنشوة الموقوتة؛ لعدم قدرتي على مسايرته، وتنائي التأثّر الذي تتطلّبه عناصر هذا الطقس الاحتفاليّ الأزليّ، لدى الكائنات، التي تنشد الحياة كامنة أو مشرعة، راكدة أو متحرّكة، ذاتيّة الانبعاث، أو مشاركة، أو خارجيّة التحريض المادّي أو المعنويّ.
لكنّ ذلك، لم يمنع مشاعر أخرى مكافئة أو مفارقة، ما فتئت تدغدغ بمتعةٍ أوتاراً وشآبيب، وتداعب بقسوةٍ جبهات تتوضّح عليها أثافي السنين، وملامح العبور العسير.
كلّ ما جرى، وما يزال يجري، يؤكّد مسارات محدّدة بمقدار، وقوى مؤثّرة باقتدار، وحيويّة ليست محايدة، واتّجاهات ليست طليقة؛ بالرغم ممّا تبدو عليه، أو تُظهره، أو تتيحه من فرصٍ واجتهادات ومبادرات وخيارات، لمن يودّ النموّ، ويستطيع الخطو، ويتمكّن من التحرّك في سبل مراوِدة وانفلاتٍ مراوغ.
ها هو القلق يتجدّد لديك، وربّما يتمادى؛ مع أنّ هناك ما تغيّر في النفْسِ والنفَس والشعور بالوجود، والتفكير بالمصير.. على الرغم من كلّ ما حدث، ويحدث، وما هو ممكن ومتوقّع، ومشتهى…
لست عرّافاً؛ لحسن الحظّ، ولا أفاجأ بالجريان المؤكّد الدائم والمتقطع، ولا بالفرح المفتون، والرقص المجنون، حتّى وخز الألم، وافتقاد الأمل.. ولست عبداً لمقولاتٍ وأفكارٍ وممارساتٍ ورغباتٍ ونزواتٍ.. ولست حرّاً في اختيار الاتّجاه والمسار والموعد والمآل.. ولست واثقاً من نجاح محاولاتي في تدبّر أمر ما هو حاصل بلا أدنى ريب.. ولست موافقاً لأرضى، وأُسَرّ، ولم أطلب أو أرجُ، أو أتمنَّ، ولا أنتظر، أو أتهيّأ، أو أتحسّب.. ولست معانداً لما كان، وما سوف يأتي؛ لأنّه سيأتي!.. ولست منتظراً نصرة، ولا خذلاناً.. ولست مغتبطاً بما مرّ، ولا مبتئساً ممّا مرّ، ولا ممّا يمكن أن يحدث؛ ولا منشغلاً بوقوعه أو باحتمال افتقاده.
فهل هذا ما جعلني غير مأخوذ باحتشادِ الغبطة الطبيعيّة، ولا بلألأة نثارها المنظّم بفوضى ملحوظة ومقروءة؟!. وهل هذا ما يدفعني إلى التفكير في ما وراء خفوتها وأفولها غير المفاجئ؟!
وهل هذا ما يجعلني متفكّراً في جدوى هذه الأمثولة العجائبيّة، واللعبة الحيويّة، ومبتغاها؟!. وهل هذا ما يجعلني متسائلاً عن معنى حضور هذا العرض المشهود، ومعنى انتفائه؟!. وعن علاقتي به، وعلاقتي بسواي من الكائنات، وعلاقتنا جميعاً بهذا النموذج الذي نعايش من الحياة؟!
وهل هناك نماذج أخرى، أرقى أو أدنى؟!.. وأين؟! وكيف؟! ولِمَ؟! وإلامَ؟!.. ومن الذي يستطيع التأكيد الموثّق، أو النفي المعلّل؟!.. وهل هذا ما جعلني أشكّك في السبيل والدليل والجدوى؟!.
فهل كثير عليّ، أو غريب، ما يحدث لي، وربّما لسواي من أصحاب العقول المشابهة، أو المقاربة، أو المختلفة؟!
ألا يُقلق هذا حقّاً؟!..
* شاعر وأديب وقاص

 

 

التاريخ: الثلاثاء29-6-2021

رقم العدد :1052

 

آخر الأخبار
مسؤولان أوروبيان: سوريا تسير نحو مستقبل مشرق وتستحق الدعم الرئيس الشرع يكسر "الصور النمطية" ويعيد صياغة دور المرأة هولندا.. جدل سياسي حول عودة اللاجئين السوريين في ذكرى الرحيل .. "عبد الباسط الساروت" صوت الثورة وروحها الخالدة قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل خرقها اتفاق فصل القوات 1974 "رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار