انسحاب أميركا من أفغانستان.. إعلان فشل أم تغير في الأولويات؟

الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:

يبدو أن إدارة بايدن قد قررت إنهاء تورط أميركي عسكري مباشر في أفغانستان دام حوالي عشرين عاماً، إذ تشير المعلومات إلى أنها استكملت سحب أكثر من خمسين بالمئة من قواتها المنتشرة في هذا البلد المضطرب، وسط زيادة مفاجئة في أعمال العنف والتفجيرات في عدد من المدن الأفغانية على يد حركة طالبان المرشحة لتسيد المشهد الأفغاني بعد خروج الولايات المتحدة وحلفائها من هذا المستنقع، حيث تتم عملية الانسحاب في خضم تحذيرات أممية وتوقعات متشائمة حول ما يمكن أن تؤول إليه هذه البلاد في الفترة القادمة بعد أن مزقتها الحروب الخارجية والصراعات الداخلية المتواصلة.
بالطبع لا يقتصر التدخل الأميركي في أفغانستان على العشرين سنة الماضية، بل يمتد إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث سبق للولايات المتحدة أن دعمت حركة طالبان وتنظيم القاعدة “المجاهدين الأفغان” حسب التسمية الغربية، منذ ثمانينيات القرن الماضي إبان الوجود السوفييتي في هذا البلد كجزء من الحرب الباردة بين المعسكرين أو الكتلتين الشرقية والغربية، وما أن انسحبت القوات السوفييتية من هذا البلد حتى تحولت أفغانستان إلى أخطر المناطق أمنياً في العالم، بسبب الصراعات الداخلية على السلطة بين طالبان وباقي الفصائل الأفغانية، لتتسيد طالبان الوضع في أواسط التسعينيات بدعم أميركي وخليجي، ولكن سرعان ما انقلبت الحركة وتنظيم القاعدة على الأميركيين، لتبدأ سلسلة من الأحداث الأمنية بين الطرفين كانت ذروتها في 11 أيلول عام 2001 حيث جرت اعتداءات واشنطن ونيويورك أو ما يعرف باعتداءات أيلول وهي الذريعة التي اتخذتها إدارة جورج دبليو بوش لاحتلال أفغانستان بتحالف أطلسي دولي بقيادتها، كرد انتقامي “ظاهرياً” على اعتداءات أيلول، ليتبين أنه جزء من مخطط مسبق لمحاصرة إيران ومضايقة الصين وروسيا.
على مدى عشرين عاماً بدا وكأن هذا البلد أشبه بمستنقع للأميركيين وحلفائهم حيث لم يستطيعوا السيطرة على أكثر من عشرين بالمئة من البلاد، في حين بقيت حركة طالبان تتحكم بمجرى الأحداث في البلاد من الجبال والمغاور والكهوف، ما اضطر الأميركيين للدخول معها في مفاوضات برعاية مشيخة قطر لسنوات عديدة من أجل ترتيب الوضع العام في البلاد والتهيئة لخروج أميركي من أجل حفظ ماء الوجه، وهو خروج تم الإعلان عنه أكثر من مرة ثم تأجل بسبب تبدل الأولويات وتغير الإدارات في البيت الأبيض، ولا يستبعد أن يكون الانسحاب الحالي نتيجة لاتفاق مع حركة طالبان أو مقدمة لتوريط نظام أردوغان المتحمس للعب دور وظيفي في أفغانستان كرأس حربة لحلف الناتو وإدخال الطرفين في نزاع يستنزفهما، حيث تم الإعلان عن هذا الدور التركي الجديد بعد القمة الأطلسية التي عقدت الشهر الماضي.
كل المؤشرات التي ينطوي عليها الانسحاب الأميركي من أفغانستان تؤكد أنه إعلان فشل الحرب على مدى عشرين عاماً حيث لم تستطع واشنطن وحلفاؤها من إنشاء حكومة أفغانية تابعة لها وقادرة على إدارة شؤون البلاد، وهذا ما يفسر المفاوضات الطويلة مع حركة طالبان، في حين لم تستطع الولايات المتحدة إضعاف إيران رغم احتلالها العراق عام 2003، كما أنها عجزت عن التأثير على الدورين الصيني والروسي في المنطقة، بل إنها اضطرت إلى طلب المساعدة من روسيا في فترة سابقة عندما كانت طرق الإمدادات في باكستان شبه مقفلة.
يمكن القول إن الانسحاب الحالي من أفغانستان يمثل ذروة الإخفاق الأميركي، حيث لم تستطع الإدارات الأميركية المتعاقبة في هذه الحرب “الأطول” منذ عهد بوش حتى عهد بايدن أن تعلن النصر في الحرب أو تحقيق أي إنجاز أمني – سياسي، في الوقت الذي بقيت متحرجة فيه عن إعلان الهزيمة.
وإذا كان لا بد من ذكر “الإنجازات” الأميركية في أفغانستان يمكن القول إنها تمثلت في أعمال قتل وتفجيرات دموية وقع المدنيون الأبرياء ضحاياها، إلى جانب انقسامات داخلية ونشوء تنظيمات مسلحة عابرة للحدود الدولية وميليشيات متطرفة شوهت ما تبقى من ملامح الدولة المدنية، مع نزوح وتهجير الملايين وحرب أهلية مع مشاكل سياسية واقتصادية هددت وما زالت تهدد وجود وأمن الدولة نفسها والدول المجاورة لها.

ورغم كل ذلك أصرت واشنطن على الادعاء بأنها، وبتضحيات جنودها، حققت لأفغانستان الكثير من التغيير والتقدم المجتمعي والسياسي !! ووصل الأمر بها إلى الزعم أن أفغانستان أخذت أكثر مما أعطت للولايات المتحدة منذ بداية الغزو ولغاية قيام ترامب في نهاية شباط 2020 بعقد اتفاقية مع حركة طالبان لتقليل وسحب القوات الأميركية، مقابل قيام طالبان بالالتزام بالتهدئة الفعلية وخفض مستويات العنف والانخراط في محادثات ومفاوضات سلام مع الحكومة الأفغانية، وقطع العلاقات مع الإرهابيين في إشارة إلى تنظيم “القاعدة وداعش”، علماً بأن إدارة ترامب فكرت في البداية بخصخصة هذه الحرب، لإنقاذ جنودها النظاميين وتعويض وجودهم بالمتعاقدين الأمنيين مدفوعي الأجر تحت إشراف الاستخبارات الأميركية دون اعتبارهم جزءاً من القوات العسكرية الأميركية الرسمية، إلا أن البنتاغون رفض هذه الفكرة.

ومن البديهي القول إن ما أجبر الولايات المتحدة على اتخاذ هذه الخطوة هي الخسائر المادية الكبيرة (2 تريليون دولار تقريباً) والبشرية حيث وصلَ عدد القتلى بين صفوف جنودها (أكثر من 4002 قتيل و20.000 جريح، هذا عدا عن العدد غير المسجل من قتلى الشركات الأمنية العسكرية الخاصة التي استأجرتها الولايات المتحدة لمساعدة قواتها النظامية، وعدد آخر من جنود التحالف)، ما يعني أن أفغانستان كانت بمثابة مستنقع أميركي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وينتظر أميركا حالياً تحديان، الأول اقتصادي حيث ثبت أن القوة الاقتصادية الصينية، بدأت تنافس الولايات المتحدة، وقد تتجاوزها، والثاني عسكري تمثل في تطور القدرات العسكرية الصينية والروسية، حيث تؤكد بعض التقارير تفوقهما وخاصة بعد الإعلان مؤخراً عن الصواريخ والبوارج الصينية التي ستدخل أو دخلت الخدمة فعلياً، الأمر الذي أدى إلى الحديث عن تفوق هاتين القوتين، ووصولهما إلى مرحلة الردع الشامل والمتكامل.
وبذلك يبقى السؤال المهم هو هل ستنجح الولايات المتحدة مع انسحابها الكامل من أفغانستان في الوصول إلى النتيجة المطلوبة (خلق صراعات وحروب داخلية بأدوات محلية)، أم أنها ستفكر بدلاً عن ذلك في إصلاح ما دمرته حروبها وما سببته من انقسامات في مناطق العالم المختلفة؟ الجواب منوط بالأشهر والسنوات القادمة ولكن تاريخ الولايات المتحدة العدواني لا يترك مجالاً لأي تفاؤل بأدائها المتوقع لجهة إصلاح أو تغيير الصورة البشعة المرسومة في أذهان العالم.

آخر الأخبار
"أدباء غزة..الشّهداء" مآثر حبرٍ لن يجف تقديم الاعتراضات لنتائج مفاضلة الدراسات العليا غداً  ضخ المياه إلى القصاع وجناين الورد والزبلطاني بعد إصلاح العطل بن فرحان وباراك يبحثان خطوات دعم سوريا اقتصادياً وإنسانياً السلل الغذائية تصل إلى غير مستحقيها في وطى الخان  باللاذقية إجراءات لحماية المواقع الحكومية وتعزيز البنية الرقمية  منطقة حرة في إدلب تدخل حيز التنفيذ لتعزيز التعافي الاقتصادي The NewArab: المواقع النووية الإيرانية لم تتأثر كثيراً بعد الهجمات الإسرائيلية الهجمات الإسرائيلية تؤجل مؤتمر الأمم المتحدة حول حل الدولتين قداح يزود مستشفى درعا الوطني بـ 6 أجهزة غسيل كلى   تعبئة صهاريج الغاز من محطة بانياس لتوزيعها على المحافظات إسرائيل.. وحلم إسقاط النظام الإيراني هل بمقدور إسرائيل تدمير منشآت إيران النووية؟ الهجوم الإسرائيلي على إيران ويد أميركا الخفية صناعيو الشيخ نجار وباب الهوى يتبادلون الخبرات  وزير المالية من درعا : زيادة قريبة على الرواتب ..  وضع نظام ضريبي مناسب للجميع ودعم ريادة القطاع ال... المبعوث الأميركي يستذكر فظائع الحرس الثوري في سوريا   الحرب بين إسرائيل وإيران.. تحذيرات من مخاطر تسرب إشعاعات نووية     معبر البوكمال يعود: سوريا والعراق يدشنان مرحلة جديدة من الانفتاح التجاري مع استمرار الحرب..  الباحث تركاوي لـ"الثورة": المشتريات النفطية الأكثر تأثراً