دارت رحى الحرب ساحقة بين حجريها كل ما كان جميلاً في بلادي، لتلفظه بأحجام متفاوتة، قتل وموت بالمجان، تيه بين جنبات العالم، تهجير قسري من غزاة زرعوا الموت في كل مكان. فتح لهم كل من شارك في اغتيال حريتهم وأحلامهم بابه الآفن.
غشّى غبارهم طيف وجهٍ رائع الجمال في وطني اسمه الأمان كنا المحظين فيه لأن قلوبنا عامرة بالمحبة، ذاك المفقود من معظم دول العالم، هشموا أركانه سرقوه من ساعات الزمن الجميل، فأصبح الموت رفيق الطرقات، والساحات والأزقة..
اغتالوه في قلب كل مهاجر، وتاجروا بكل من تعدى حدود الوطن أينما ألقى رحاله. وبدأ التسول عليهم ممن تقبّلهم ضمن حدوده، يقامرون فيهم مع ما تدعى بالدول المانحة. وكلما تمايل خيال حل للأزمة يسعرون النار بوقود من الأبرياء.
حين يضني الحنين الكثيرين، ويعقدون عزم العودة اشتياقاً للغالية سورية، تمنعهم الدول التي احتوتهم، كي لا تفقد نواميس من يدفعون، محتجة أنها تخفف ضنك الأيام عنهم وحفظ ماء الوجه. لكن وراء الأكمة خباثةُ فسادٍ ونهبٌ للمال الممنوح لأجلهم.
تنتقل عدوى الحمى من خشية انقطاع المعونات؛ عن البلاد التي استقبلت السوريين في الجوار أو من البعيد. فهي تتلقف المعونات بالعملة الصعبة، وتوزعها بعملتها المحلية، والفارق يدخل جيوباً لا تعرف الامتلاء، وعيوناً لا تهتم لمصائر المهاجرين.
ولكثرة النَهَمِ في النهب لدى بعض الدول، وفارقُ الصرف بين العملتين الذي تجاوز لدى البعض 40% لصالح العيون التي لا تقنع، والكروش التي لا تشبع.. حُرِمَ معظم المستحقين من وصول المساعدات، واحْتُفِظ بها لحين استخدامها في غايات انتخابية.
يتاجر العالم بأبنائنا؛ كأنهم في مزاد علني، لكن الواقع أنهم يبيعون أنفسهم في سوق النخاسة، ويسفحون ماء وجوههم حين يطلبون قيماً مالية أكبر؟! على أن ما يصلهم لا يكفي السوريين المهجرين عندهم. ويتحفظون على حملة الشهادات العليا والنوابغ.
يمنعون أبناءنا من العودة إلى سورية بالترغيب أو الضغط المعنَّف. ولا تتوقف الوقاحة عند هذا الحد، بل يزيدون في الضغط علينا؛ بقيصر المزعوم للنيل من لقمة عيش المواطن وتضييق الخناق عليه، في لعبة عض الأصابع لكنهم منهزمون..
وتزداد الصفاقة الأميركية في تحذير دويلات تُدعى بالعربية، من التطبيع مع سورية وهل أيها الغربُ المزدان بالوحشية والهمجية، المتوج بالعنصرية واللاإنسانية، يُعقل أنك لا تميّز معاني المصطلحات، فيختلط عليك أن التطبيع يكون بين طرفين غير منسجمين بل متناقضين، لسلك سبل تقارب بينها. لعل الوعي يَكْنُزُ عقول الأعاربة.
ليس بالجرأة ولا المروءة التخطي لانحطاط تاريخي، مؤداه التشجيع على التطبيع مع الكيان الصهيوني. ما يجعله يستوي في حرفية مفهوم المصطلح مع سورية، فمن المفترض أن العالم كله أو جُلّه، يدرك أن كياناً غاصباً يحتل فلسطين؛ويوجه للتطبيع معه. منافياً القانون الدولي لعنصريته مكرساً حضارة جرداء من كل القيم والمواثيق.
كل ما يحدث في المنطقة العربية ومحاولة الوصول بها للزمن المتصحر هو لصالح الكيان الصهيوني، ولقطع شرايين المقاومة. مهما غُلِّفت خطاباتهم الكاذبة بمعسول المعاني والتزويق البراق، إلا أن العالم لم يعد جاهلاً ليتجرع سمهم الزعاف.
إضاءات – شهناز صبحي فاكوش