يحسب للدولة السورية تجاوبها الدائم مع كل مبادرة تطرح لإيجاد حل سياسي، ومع أي جهود دولية تساعد في إنتاج هذا الحل بما يراعي مصلحة الشعب والوطن، ولا أحد يستطيع إنكار حكمتها السياسية في التعاطي مع تلك المبادرات والجهود التي تبذل من أجل إنهاء معاناة السوريين جراء الحرب الإرهابية المتواصلة.
إطار “أستانا” شكل آلية مهمة على مسار الحل السياسي، وخلال جولاته الخمسة عشر السابقة لم تبخل الدولة السورية ببذل أي جهد من جانبها في سبيل إنجاح هذا المسار، ولكن تلك الجهود ما زالت تصطدم بتعنت نظام أردوغان اللاهث وراء إبقاء إدلب بؤرة دائمة لإرهابيي “النصرة”، وبانقلابه المستمر على مخرجات كل جولة حوار، ورغم أن القيادة السورية لم تثق يوماً بادعاءات الضامن التركي للإرهابيين، ولا بوعوده التي قطعها سابقاً للضامنين الروسي والإيراني، إلا أنها أعطته الكثير من المهل تجنباً لإراقة الدماء، وبات من الضروري اليوم أن يحدد المشاركون في الجولة السادسة عشر الطرف المعرقل، والعمل أيضاً على إيجاد آليات رادعة تلزمه تنفيذ ما يجب عليه من التزامات عسكرية وقانونية وأخلاقية، وهذا من شأنه تسريع عملية تظهير الحل السياسي.
خلال الجولات السابقة تم التأكيد على ضرورة الالتزام بسيادة سورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، واستمرار التعاون حتى القضاء نهائياً على الإرهاب، ولكن النظام التركي – ضامن الإرهابيين- وحده من يعمل خلافاً لذلك، هو ما زال يحتل أجزاء من الأرض، ويواصل دعمه لإرهابيي “النصرة” في إدلب، ويأمر مرتزقته بشن اعتداءات يومية على مواقع الجيش العربي السوري الذي يحارب الإرهاب، ووصلت أطماعه التوسعية إلى حد تماديه بممارسة سياسة التتريك للمناطق التي تحتلها قواته الغازية، وكل ذلك انقلاب واضح على تفاهمات “أستانا” واتفاق “سوتشي”، وهذا يحمل الضامنين الروسي والإيراني مسؤولية وضع حد نهائي لجرائم هذا النظام، حيث المهل التي أعطتها الدولة السورية لا تعني في نهاية المطاف السماح لأن تبقى إدلب محمية تركية وأميركية للإرهاب، وهي لن تنتظر إلى ما لا نهاية على أمل أن ينفذ المجرم أردوغان التزاماته وتعهداته.
استمرار وجود الاحتلالين التركي والأميركي خطر كبير على العملية السياسية، لما يشكلانه من عائق رئيسي أمام الجهود التي تبذلها الدولة السورية لإعادة الأمان والاستقرار إلى كامل ربوع أراضيها، وهذا يحتم على المشاركين بجولة “أستانا” الجديدة العمل على إيجاد صيغ أو آليات محددة لإنهاء هذا الوجود الاحتلالي، خاصة أن السوريين وجهوا خلال مشاركتهم الكثيفة في الانتخابات الرئاسية رسالة بليغة للأعداء والمتآمرين، تؤكد تمسكهم بسيادة بلدهم، ورفضهم لأي شكل من أشكال الوصاية الخارجية، ما يعني أن استمرار الاحتلالين التركي والأميركي عدوان موصوف، ومن حق الدولة السورية استخدام كل الوسائل المشروعة لطردهما وإخراجهما، تماماً كما تفعل تجاه مرتزقتهما من التنظيمات الإرهابية التكفيرية.
البقعة الساخنة – ناصر منذر