الثورة أون لاين – دينا الحمد:
في الأيام القليلة الماضية، ومنذ بدأت واشنطن تحت جنح الظلام تخلي قاعدة “باغرام” الجوية في أفغانستان بعد عقدين من التدمير وسفك دماء الأبرياء بحجة قصف “طالبان والقاعدة”، ظهرت واشنطن على حقيقتها العاجزة، التي تريد الرحيل عن هذا البلد لأنها لم تعد قادرة على تحمل فاتورة البقاء الباهظة والمكلفة، ولأنها تريد أن تنتقل إلى أولويات عدوانية جديدة في مناطق أخرى من العالم تحقق لها مصالحها الاستعمارية.
صحيح أن جنود أميركا المنسحبين ومعهم أفراد قوات حلف شمال الأطلسي “الناتو” غادروا القاعدة المذكورة وسلموها بالكامل للأمن الوطني وقوات الدفاع الأفغانية تمهيداً لتسليمها رسمياً للحكومة الأفغانية، لكن الصحيح أن الاستخبارات الأميركية نسقت مع حركة “طالبان” الإرهابية لملء الفراغ، والدليل التمدد الفوري لعناصر الأخيرة في أكثر من منطقة أخلتها القوات الأميركية خلال أيام قليلة فقط.
إنه العجز الأميركي بأوضح صوره والفشل بتحقيق مخططات واشنطن في أفغانستان بعد عشرين عاماً على غزو هذا البلد، وهو ما أكده بالضبط “ستيفن ويرثيم” نائب مدير الأبحاث والسياسات في معهد “كوينسي” لفن الحكم المسؤول وهو مركز أبحاث في واشنطن، حين قال لمجلة “توداي وورلد فيو” حرفياً: “بعد 11 أيلول شرعت الولايات المتحدة في محاولة إثبات أنها الأمة التي لا غنى عنها في العالم فيما أثبتت أفغانستان أنها مقبرة ادعاءات أميركا هذه”.
فشل مشروع الولايات المتحدة الاستعماري العدواني في أفغانستان إذاً، وفشلت المخططات الشريرة التي كانت تريد أن تستولي على هذا البلد الذي يشكل مركزاً مهماً في اقتصاد منطقة شرق ووسط آسيا إذ يقع على طريق نقل النفط والغاز بين الدول المحيطة به من إيران إلى الصين والهند وغيرها من الخارطة.
اليوم وصلت واشنطن إلى طريق مسدود، واضطرت إدارة جو بايدن للاعتراف بالهزيمة وإنهاء المهمة علّ الأمر والقرار يوقفان نزيف الخسائر الأمريكية هناك، واضطرت للخروج بشكل سريع ودون أي شروط مسبقة، ودون اتخاذ الترتيبات التي تضمن استتباب الأمن والاستقرار في البلاد، وكأن همها الوحيد إعادة تسليم أفغانستان “لطالبان والقاعدة” وجعل الشعب الأفغاني تحت رحمتهما من جديد، وجعل هذا البلد يعيش مرحلة جديدة من التخبط والضبابية وعودة الولاءات القبلية والعرقية والمذهبية، واستمرار الصراع الإقليمي على النفوذ هناك.
أميركا تريد أن ترحل عن أفغانستان إذاً لكنها لا تريد الاعتذار عن قتل وجرح وتشريد مئات الألوف من الأفغانيين، ولا تعويضهم عن الخسائر التي ألحقتها بهم وباقتصادهم، ولا الاعتذار عن قتل القرويين البسطاء التي كانت تقول إن طائراتها المسيرة قتلتهم عن طريق الخطأ المزعوم، ولا تريد أن تقر حتى بفشلها وخيباتها وانكساراتها.