الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
مع بداية الحرب على السورية ظن كثيرون ممن لا يضمرون الخير للبلد أن ما حدث سيؤثر سلباً على دور الثقافة في المجتمع لا بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بتأكيدهم أن الفعل الثقافي سيعاني من تقهقر وربما يكون مآله إلى أفول ، غافلين عن حقيقة أننا في بلد تضرب جذور حضارته عمق التاريخ ودائماً على مر العصور كان لأبنائه دورهم المتقدم على خارطة الإبداع ، وبالفعل ما حدث جاء عكس توقعاتهم تماماً وعلى مختلف الأصعدة الثقافية والإبداعية ومن بينها ميدان الفن السابع ، فعلى الرغم من تعليق الدورة (19) من مهرجان دمشق السينمائي الدولي والتي كان من المقرر عقدها في شهر تشرين الأول 2011 إلا أن هذا العام بالذات شهد تحولات كبيرة حيث اتسعت المساحة الممنوحة للعمل السينمائي على مختلف المناحي ومن أهمهما الإنتاج حيث انصب الاهتمام على إنجاز أعمال تلامس واقع الحرب وتداعياتها إضافة إلى أفلام أخرى تغوص إلى عمق الواقع متناولة حالات وطنية واجتماعية وإنسانية ، فارتفعت وتيرة الإنتاج وعوضاً من إنتاج فيلم أو اثنين في العام الواحد بدأ العدد يكبر ليصبح أربعة أو خمسة أفلام على صعيد الفيلم الروائي الطويل إضافة إلى الأفلام القصيرة الاحترافية وأفلام الهواة والأفلام الوثائقية ، وتعكس هذه الحزمة من الأفلام نشاطاً سينمائياً يمكن قراءته على أكثر من مستوى ، فالعمل يعني الحياة وأي مكان يعج بالحياة من الصعب النيل منه ، لا بل لم تتوقف ورشات التصوير عن العمل . وعلى صعيد آخر تم تجديد صالة كندي طرطوس ، وأقيم أسبوع للسينما السورية في روسيا ، وكانت المؤسسة العامة للسينما قد دأبت على إقامة تظاهرات سينمائية بهدف تفعيل الحراك الثقافي السينمائي . وفي الشهر الخامس من العام نفسه تم الإعلان عن ولادة مجلة الكترونية سينمائية متخصصة تابعة لوزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما ، وجاءت تحت عنوان (آفاق سينمائية) لتكون المجلة الشقيقة الصغرى للمجلة الفصلية (الحياة السينمائية) المستمرة في الصدور ، وأتت هذه الخطوة ضمن إطار السعي الدؤوب لترسيخ الثقافة السينمائية الجادة وهدفت المجلة الالكترونية على الانترنت لتحقيق فعالية سينمائية عالية المستوى ، والمفارقة أنه في العام نفسه قام منظمو تظاهرة (شاشات سينما عربية جديدة) في فرنسا برفض حضور المخرج جود سعيد وعرض فيلم (مرة أخرى) في التظاهرة بعد أن سبق واختاروه للمشاركة فيها ، والسبب مواقفه الوطنية .
عاماً بعد آخر اتسع الحراك السينمائي إلى فضاءات أكبر وأكبر ، ففي عام 2012 انطلق مشروع دعم سينما الشباب وتم تصوير أول أفلامه ، وعلى الرغم من الحصار المفروض على سورية وضيق حيز المشاركة في المهرجانات السينمائية إلا أن الفيلم السوري حط رحاله في العديد منها محققاً حضوراً هاماً حاصداً الجوائز في أكثر من مناسبة ، كما استمرت المجلة الفصلية (الحياة السينمائية) الصادرة عن وزارة الثقافة ـ المؤسسة العامة للسينما بتقديم وجبة سينمائية تجول فيها على مفاصل من حراك الفن السابع محلياً وعربياً وعالمياً ، وصدرت مجموعة من الكتب السينمائية ضمن سلسلة الفن السابع ، وأطلقت مسابقة لسيناريو الفيلم القصير ومؤخراً للطويلة ، وفي عام 2019 افتتحت صالة كندي اللاذقية بعد تحديثها وتم إطلاق المكتبة الوطنية السينمائية (السينما تك) في كندي دمشق .
رغم كل الصعوبات كان الانتصار لفعل الحياة والإبداع ، إنه انتصار للفن السابع ولجمهور السينما ومحبيها ، حيث بدا المشهد السينمائي خلال فترة الحرب على سورية نشطاً ساعياً ليكون في حالة تجدد مستمر لتقديم ما يستطيع ويكون له حضوره على الساحة ، قد تصيبه الهنات هنا أو هناك ، ولكنه يبقى سائراً إلى أمام محافظاً على حضوره وألقه .