الثورة أون لاين – أحمد حمادة:
عالم ما بعد القطبية الأحادية ليس كما قبله، ومحاولات الولايات المتحدة الأميركية فرض قوانينها ورؤاها على العالم ولّت إلى غير رجعة، فالمتغيرات مع صعود الصين وروسيا باتت أعمق مما تستطيع واشنطن هضمه، وهي متغيرات تتوالد بسرعة البرق، وتمهد لبروز نظام دولي جديد يخلف النظام الأميركي أحادي القطب، ويشكل مرحلة بناء عالمي جديد يحترم الشعوب ويحافظ على استقلالها ووجودها، ويحمي حقوق الإنسان ويحافظ على كرامته.
متغيرات تضرب بعمق المشهد، وتطال كل المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية على المستوى العالمي، وملامحها الأولى بالصعود الصيني الذي سبب لواشنطن، بإدارتيها السابقة والحالية حالة من التخبط والهستيريا والجنون، وكانت جائحة كورونا ميدان حربه، وأما ملامحها الثانية فظهرت بتقدم التنين الصيني ليملأ الفراغ في كل محيطه، وصولاً إلى غرب آسيا وحتى أوروبا، وبعيداً عن الهيمنة الأميركية.
مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها بكين منذ فترة ستكون نتائجها عصب الاقتصاد العالمي الجديد، من خلال إحياء طريق “الحرير” ومشاركتها الاقتصادية والاستراتيجية والدبلوماسية مع دول المنطقة العربية وبلدان “الشرق الأوسط” المتممة لها شرقاً، وهي المبادرة التي تستند في ركائزها على النهج التنموي الذي تتبناه الصين عبر إحياء طريق الحرير القديم، وتشبيك العالم كله على مستوى الاقتصاد والتوازنات الجيوسياسية، انطلاقاً من الشراكة الأولى مع بلدان منطقة “الشرق الأوسط” جميعها.
“الحزام والطريق” مبادرة ستجعل الصين في قلب الأسواق الجديدة في منطقتنا العربية والآسيوية، وخصوصاً مع سورية قلب “طريق الحرير” وواسطة العقد في هذه المبادرة، لأنها تقع على مفترق طرق ثلاث قارات وتتوسط العالم القديم، وحتى طرق نفطه وشريان حياته وطاقته، ولأن سورية ومحيطها من الدول المجاورة تمثل أهم الأسواق المحتملة للصين من حيث الموارد، والبوابة الأمثل إلى بقية أسواق العالم الهامة، وليس هذا فحسب بل لأن منطقتنا هي الأقرب إلى القنوات البحرية الاستراتيجية الأربعة (البوسفور والدردنيل وباب المندب ومضيق هرمز)، والتي تمر عبرها معظم التجارة الصينية.
“الحزام والطريق” تحيي طريق الحرير القديم من أجل تعزيز الترابط الاقتصادي المتبادل في العالم، وسترسخ المبادرة دوراً كبيراً ليس في الاقتصاد فحسب بل على المستوى الثقافي والتنسيق الأمني بما يحقق الأمن والسلم والاستقرار والازدهار للشعوب كافة، و”الحزام والطريق” كما يرى محللون تمهد لدبلوماسية الشراكة بدلاً من التحالفات، ففي التحالف، يخشى الجانب الأقوى من التورط في صراعات الجانب الأضعف وفي الشراكة يتساوى الجميع.
من هنا استقبل أمس السيد الرئيس بشار الأسد “وانغ يي” وزير خارجية الصين والوفد المرافق وبحث معه العلاقات التاريخية والمتميزة التي تربط البلدين الصديقين، وتم خلال اللقاء التوافق على الانطلاق نحو مرحلة جديدة في تعزيز هذه العلاقات، وفتح آفاق أوسع للتعاون الثنائي في كل المجالات بما يخدم مصالح البلدين والشعبين، ناهيك عن بحث مشاركة سورية في مبادرة “الحزام والطريق”، حيث أكد وزير الخارجية الصيني اهتمام بلاده بمشاركة سورية في هذه المبادرة نظراً لموقعها ودورها الإقليمي الهام، مؤكداً استمرار بلاده في دعم الشعب السوري في حربه ضد الإرهاب ومواجهة الحصار الجائر والعقوبات الظالمة.
مبادرة “الحزام والطريق” ستواجه هيمنة أميركا وغطرستها ونهبها لثروات المنطقة، وستؤدي إلى تحسن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لدى الدول المنخرطة تحت هذه المبادرة التي تعد سورية جزءاً رئيسياً فيها، من خلال بناء ممر السكة الحديدية من باكستان إلى سورية، ومن خلال الاستثمار المشترك لبناء محطات إنتاج الكهرباء وخطوط النقل لكل الدول الواقعة على طريق الحرير، فضلاً عن إعادة إعمار سورية وللصين الدور المهم فيها.
ولعل استراتيجية “التوجه نحو الشرق”، التي تبنتها سورية منذ سنوات طويلة تتقاطع تماماً مع مبادرة “الحزام والطريق” وكلنا يعرف كيف سبق لسورية أن شاركت في أعمال القمة الدولية الثانية لمبادرة “الحزام والطريق” في بكين قبل نحو عامين، بدعوة رسمية من الصين، وها هو وزير خارجية الصين في دمشق للحوار من أجل بناء جديد ركيزته “الحزام والطريق” وروحه الدفاع عن الشعوب بوجه الهيمنة الأميركية.