الملحق الثقافي:محمد خالد الخضر:
من المعروف أن الشّعر، من أهمِّ مقومات الثقافة عبر التاريخ، نظراً لأنه حقّق ما لم يحقّقه سواه في بناء الشخصيّة العربيّة، والدفاع عن وجودها، ولا سيما ما قبل الإسلام، وقد أصبح هدفاً للمغرضين الذين يهدفون، إلى تهشيم وتشويه شخصيّة المثقف العربي، حتى لا يتمكن من الدفاع عن وجوده وانتمائه.
ولا زلنا نستشهدُ بقول «عنترة العبسي»: «دعوني أوفي السيف بالحربِ حقّه/ وأشربُ من كأسِ المنيّة صافيا».
من المؤكّد، أن أبناء تلك البيئة، كانوا يتأثّرون بما يقوله شعراء عصرهم، ويتفاعلوا معهم كلّما تعرضوا إلى غزو، وإذا تطرقنا إلى مواضيعٍ أخرى، غير الحماسة وتفعيل الوجدان، فهناك الأخلاق والحكمة، كقول «طرفة ابن العبد» :»عن المرءِ لا تسأل وأبصر قرينهُ/ فكلّ قرينٍ بالمقارن مقتدي».
وهذا المعنى يرادفه ويتجاوزه أحياناً، قول «أحمد الصافي النجفي»:
«انظرْ لخصمي تعترف بمكانتي/ فترى علائي من وضيعِ مقامه/ المرءُ إن تجهله تعرف قدره/ من صحبهِ حيناً ومن أخصامه».
هكذا كان التركيب المعنويّ للشعر، ولم يؤثر التطور الذي حصل في الشعر الحديث على صيرورته، وإن كان هذا التطور لم يتمكن من المضيف المسار عينه، فأصبح الشاعر بدلاً من التزامه بالبحر، يأخذ تفعيلة منه ويصب من خلالها عواطفه المتنوعة، وفق تحولاته النفسية، ثم عوّض بعض الشعراء بإلقائهم، فأخذوا عدداً من التفعيلات بدلاً من التفعيلة الواحدة، كما فعل «مظفر النواب» الذي كان الإلقاء الباذخ لديه، يعوّض عن أشياء كثيرة.
لكن، ونظراً لأثرِ هذا النوع من الأدب، في تحريك الوجدان العربي، بدأ الآخر المتربّص، بإغراء من تسوّل له نفسه التخلّي عن انتمائه، مقابل أن تطلق عليه صفة شاعر أو كاتب أو أديب، ما هدم كثيراً في البناء الثقافي، وجعل شعبية الشعر تتراجع.. أيضاً، تمّ تشجيع ظاهرة التسول الشعريّ، أو صناعة الألقاب، بمقابلٍ لا يحمل غالباً ذرّة من الأخلاق.
أذكر هنا، أن بعض دور النشر، ترفض طباعة كتبٍ، حتى ولو على نفقة أصحابها، لانعدام علاقتها بالثقافة والأدب واللغة، ويأتي أحد كهول النقد المصنوع بشكلٍ مركّب، ليقوم بهذا هذا الدور، أو بآخر يضرّ بالثقافة والشعر والأدب، فيعيد الصياغة.. ثم ترى صاحب، أو صاحبة هذا الكتاب، على منبرٍ أو منابر، وكأنهما فرسان الشعر، دون أن يعرفا، بأن القصيدة العظيمة، تُسقط كلّ من لا يجعلها تصهلُ جامحة وفاعلة.
أما أخطر ما واجهني، وواجهته منذ أيام، رؤيتي لقسمةٍ تخريبية، عبر نشاطٍ لشاعرة، تظن أن كلّ ما ينتهي بحرفٍ واحد متشابه، هو شعر.. دون أن تلتزم بالصورة أو العاطفة أو الموسيقا، والأخطر من ذلك، تصفيق الجمهور الذي يزيد من انبهارها بنفسها وشِعرها.. وهناك أخرى تريد أن تقدّم شعراً حداثوياً، فتضمّ الفعل المجزوم، كذاك «الشويعر» الذي نصب الفاعل وصفة الفاعل، ضمنَ وليمةٍ، تغنّى خلالها أصحابه به، ومجّدوا ما شُعر وانكسر من الشّعر، الذي سمعوه منه.
أيضاً، يتقدّم النقّاد بأعمارهم المزركشة بالشيب، أو بالسواد المصبوغ، فيطرحون كلاماً خارج نطاق الكينونة، ويشير أحدهم بأن اجتماعهم يكفي، والنتيجة، تدفع البنية الثقافيّة فاتورة الهدم، ولا أدري لماذا لا تقوم المؤسّسات المعنيّة بكاملها، وبأنواعها وأشكالها، بإعطاءِ الفرصة للموهوبين الحقيقيين، ليبقَ صاحب أو صاحبة البطاقة المزورة، في مكانٍ آخر.. فقد يسألُ الابن أمّه عندما يكبر، لماذا صفقوا لكِ، وأنتِ في خضم الخراب؟!. وقد يسأل ابن أو حفيدٌ، الأب والجد: لماذا لم تحافظ على حيائكَ واتّزانك؟..
ينطبق هذا أيضاً، على أدب القصة، من خلال قائمين غير مزوّدين، إلا بصورةٍ طبق التشوّه، عن ذواتهم وأفكارهم وأخلاقهم.
كلّ هذا، يحتاج إلى إخراجِ كلّ مدّعي أدب وثقافة أو شعر، من المؤسّسات التي لها مكانتها وشرفها الثقافي، وإلا فإن ما أخشاه أن يأتي يوم، وينطبق علينا قول «المتنبي»: «ومن نكدِ الدنيا على المرءِ أن يرى/ عدوّاً له ما من صداقتهِ بدُّ».
أخيراً أقول: أهم ما يجب أن نقوم به لضمان الحفاظ على الهوية الثقافية:
١ – أن لا تعطي المؤسّسات دورها، لأيّ شخصٍ يمكن أن يقدّم لها مجموعة على مزاجه، وقد يكون هناك ما وراء الأكمة الكثير.
٢ – إذا حصل ووصل إلى المنبر، من ليس له هويّة ثقافيّة، فلا مانع من وجود نقدٍ موضوعيّ، يعتمد على منهج صحيح.
٣ – على البيئة التربويّة والاجتماعيّة، أن تسأل مباشرة، كيف وصل من يخصّها إلى ما لا يستحق، وما هي الدوافع، وما هو الثمن لضمان كرامة مستقبل الأبناء والأحفاد؟..
٤ – قليلاً من الالتزام في القراءة، فهي معدومة نهائياً.
التاريخ: الثلاثاء27-7-2021
رقم العدد :1056