إن مثلت درعا في يوم سبق نقطة انطلاق الشرارة الأولى لتنفيذ المخطط العدواني على سورية واستقرارها، ولئن كانت النقطة الحدودية القادرة على السماح بإدخال الأسلحة والمسلحين من أرجاء الأرض كافة، فإنها اليوم تمثل محطة المنتهى في عملية إعادة الأمن والأمان والاستقرار إلى ربوع الوطن بعد سلسلة من الإجراءات السابقة التي هدفت إلى حقن الدماء ونشر حالة من الهدوء والاستقرار، لكن الأيدي الخارجية ظلت تعبث بهذه الحالة ولم ترض لها الدوام، فكان الخروج عن الاتفاقات والتفاهمات المبرر الكافي للبدء بتنفيذ حملة عسكرية تستهدف سحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من جميع مناطق المحافظة، وصولاً إلى الخفيفة، وبذلك تستعيد المنطقة أمانها الذي اعتادته لعشرات السنين.
لقد كانت تجربة السنوات العشر الماضية من انتشار ظاهرة المجموعات المسلحة والخروج عن سلطة القانون كفيلة بإيضاح الكثير من الحقائق التي سعى الإعلام المضاد لترويجها، في ظل انقلاب المفاهيم والمسلمات، وترويج مصطلحات وأفكار هدامة غريبة عن مفاهيمنا حيناً، وخارجة عن مفاهيم الحق والمنطق أحياناً أخرى، الأمر الذي نراه حاضراً في العملية الأخيرة لسحب السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة وحدها.
وقبل ثلاث سنوات كانت الخطوة التي مهدت لتخفيض مستوى العنف والاقتتال في الجنوب السوري، وهي كفيلة بإيجاد حالة من الثقة المتزايدة بالعهود والمواثيق والوعود التي قطعتها الحكومة في إيلاء الثقة الكاملة لكل من دخل في المصالحة وتعهد بعدم محاربة الدولة، وهو ما انعكس في المواجهات القليلة الماضية والذي انعكس تعاوناً شعبياً كبيراً مع قواتنا، ووضع حداً لمتزعمي المجموعات المتطرفة ممن يريدون العودة بالبلاد لنقطة انطلاق العدوان الإرهابي بصوره المختلفة التي عشناها على امتداد عشر سنوات متناسين الواقع الحالي الذي لا يتشابه أبداً مع ظروف العالم والمنطقة في بداية العام ٢٠١١ ، وما يدفع المجموعات المسلحة للمواجهة يسقط في مبرراته أمام الواقع المعاش، كما أن فكرة الدعم الخارجي بالمال والسلاح والمرتزقة تسقط إلى حد بعيد بعد ضبط الحدود الخارجية ومنع تهريب الأسلحة والإرهابيين عبرها، وتبقى النقطة الأكثر أهمية المتمثلة في تركيز الجهود العسكرية في منطقة واحدة، بعدما كانت تلك الجهود موزعة على مئات المواقع والنقاط في الفترات السابقة.
لقد كانت فترة المصالحات والتسويات فترة تجربة ناجحة لإعادة دمج الخارجين عن القانون في صيرورة الحياة السياسية الطبيعية إضافة إلى ما قدمت من حقن للدماء وحفاظاً على حياة الناس وإعادة للأمن والاستقرار واستعادة النشاط الاقتصادي والعام في معظم المناطق، كما أنها كانت مقدمة للعودة للسياق العام للحياة اليومية والسياسية للأفراد والجماعات وانتظامها في المؤسسات الحكومية والخاصة وفق القوانين والأعراف السائدة، لكن استيعاب متزعمي المجموعات المسلحة لم يرق إلى درجة وعي الحالة المستجدة فاعتقد أنه مدعوم بقوة خارجية تسمح له بالاستمرار خارج نطاق القانون متوهماً حالة غير منضبطة يمكن لها الاستمرار.
وبعد عشر سنوات ثمة ظروف تبدلت ومواقف تغيرت مصالح تبدلت لم تعد معها الدول والحكومات التي ساعدت بالعدوان على سورية قادرة على المضي في السياسة ذاتها، وهي مضطرة لتغيير موقفها اليوم بعيداً عن دعم المسلحين وتنظيماتهم ، الأمر الذي لم يستوعبه المتزعمون الرافضون لفكرة بسط سيادة الدولة والقانون، فيعرضون المواطنين لعواقب قراراتهم المتهورة دون أن يدركوا أنها مجرد أيام قليلة تفصل عن فرض حالة الاستقرار عبر القوة الشرعية وحدها، وبمساعدة المواطنين الذين خبروا طريقة تعامل المجموعات المسلحة معهم، وهم لا يرتضون بدلاً عن الحكومة والقانون أبداً، ولعلها تكون فأل خير لكل المناطق في استيعاب الدرس والاستفادة منه في تجنيب حاملي السلاح الوصول إلى النتيجة المحددة فيما إذا اختاروا الخروج عن القانون، وبذلك تكون سورية قد وطدت انتصارها على عدوان معولم لم يوفر جهداً أو وسيلة إلا واتبعها، لتكون نتيجة سعيه الفشل والبوار.
معاً على الطريق -مصطفى المقداد