الملحق الثقافي:زهرة عبد الجليل الكوسى :
أثناء تواجدي في إحدى دور النشر، لمتابعة بعض الأعمال. دخل شابٌ في العشرينات من عمر، لا أكثر.. استأذنني بلطفٍ، مقاطعاً حديثي، لأنه على عجلةٍ من أمره، ولا يريد إلا أن يسأل صاحب الدار، سؤالاً واحداً ..
قلت له: تفضل، اسأله ما تشاء!!..
شكرني بكلِّ تهذيبٍ، ووجّه سؤاله لصاحب الدار :
– هل بالإمكان طباعة نسخة واحدة، لديوانِ شعرٍ نثريّ؟..
– بالتأكيد لا.. ليس بالإمكانِ طباعة أقلّ من مئةِ نسخة، وبعد حصولك على موافقة الاتحاد .
– لا أريد موافقة.. هي نسخةٌ واحدة، أريد تقديمها لحبيبتي في عيد ميلادها !
– آسف، لا يمكن ذلك.. ابحث لدى غيرنا!!
كنت أتابع الحوار باستغرابٍ، وأنا أتأمّلُ تقاطيع وجه الشاب، وحماسته لطباعةِ نسخةٍ واحدةٍ من نثرياتِ قلبه لمحبوبته، ليفاجئني بسؤاله ذاته، موجّهاً لي.. ابتسمتُ بحزنٍ، وقلت:
– لن أجيبك قبل أن تقول لي: من أيِّ محلٍّ اشتريت ربطة شعركَ الجميلة هذه؟!! ..
انفرجت أساريره، واحمرَّ وجهه، وقال مزهوّاً: على حسابكِ يا مدام، مقدمة مني لك هدية، وتابع بحماسة: على فكرة، الكلُّ يسألني عنها، ولا أجاوبهم من باب التميّز عنهم!..
قلت: ولا تعطي هذا السرّ لمحبوبتك؟..
قال ضاحكاً: لا، لقد أعطيتها عنواناً خطأ، ذات يومٍ، بعد إصرارها!.
لا أعرف كيف تمالكت نفسي، خرجت من الدار مسرعة، مشيتُ في الشوارع فزعة، لا أعرف إلى أيّ جهةٍ أمضي، كل ما أعرفه أنني خائفة من رؤاي، ومن روّاد الأرصفةِ الحزينة، ومن سحناتِ بعضهم الغريبة والمريبة، مذعورة من وقعِ خطاهم في أروقة روحي، ووجداني المرتجف!..
لم أجد غير علبةِ سجائري، تنقذني من هذا الخذلان والتوتّر، وتهدّئ من روعي، في مقهى ارتاده دائماً، أرتاح فيه، بين من يشبهوني في كلِّ عزيز على تاريخنا وذاكرتنا المخمليّة، التي لم يفقدها الزمن لونها الزاهي، ورونقها الأصيل، ولم يطلها الصدأ. .
تناولتُ دواء المهدِّئ، الذي وصفه لي الطبيب بالأمس، ليساعدني في التعاطي مع المتغيّرات الطارئة في المجتمع، أو الهروب منها بطريقةٍ سلسة وهادئة، وبلا نقاشٍ أو جدال…..
قلّبتُ علبة الدواء، تأمّلتها بابتسامةٍ ساخرة، ورميتها في سلَّة المهملات – بلا أسف – خشية الإدمان على التأقلم!..
التاريخ: الثلاثاء3-8-2021
رقم العدد :1057