الملحق الثقافي:ميثاء محمود:
كلّما ازدادت ضوضاء الحياة حولنا، وتعالت الأصوات بطريقةٍ عشوائية، لا تحمل أيّ هدفٍ أو غاية، تذكّرت قول الشاعر والفقيهِ المتصوّف «جلال الدين الرومي»، بل حكمته: «ارتقِ بمستوى حديثك، لا بمستوى صوتك.. إنّه المطر الذي ينمّي الأزهار وليس الرعد»..
جميلة جداً هذه الحكمة. لكن، كم عدد الذين قرؤوها وعملوا بها؟!!. بل كم عدد من فهموا الهدف الذي أراده «الرومي» عندما أطلقها؟!..
قلائلٌ جداً من عملوا بها، ومن عرفوا مقدار بلاغة مضمونها.. فلماذا، ولاسيما في هذه الفترة العصيبة التي نعيشها، ونشعر كلّ شيءٍ فيها يضغط على حياتنا ووجودنا، لا نرتقي قليلاً بحديثنا، فنبتعد عن الضجيج الفوضويّ، وعن النقاش الذي لا ينتهي إلا بالعنف اللفظي؟!!.. لماذا، لا توجد ضوابط أو أخلاقيات، تردع الفوضى الحوارية – العبثيّة، ولاسيما تلك التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعيّ، وأدّت إلى الاستهانة بمكانة الكلمة الحكمة، وإعلاء شأن الضوضاء الالكترونية؟.
إننا بحاجة إلى الهدوء لا إلى الضجيج، وإلى الحبّ والرحمة، لا الحقد والتنابذُ بالألفاظ… بحاجة إلى ما يُعلمنا من نكون، وبماذا ننطق، وهو ما أرادنا «الرومي» أن نتعلمه، عبرَ كلماتٍ خاطب بها عقولنا وقلوبنا وأرواحنا، وإنسانيّتنا وأخلاقنا.
أرادنا أن نتعلّم ذلك، فخلّدته قصائده ومؤلفاته وكلماته، فهلّ اتّعظ أحد منّا؟!… دعانا إلى الارتباط الروحي والانتماء العالمي، فكان الحكيم وكنّا، روّاد عوالمٍ مغلقة، لم نتجاوز فوضى النقاش فيها، ولا الاستلاب الذي فرضه رقمها لاعقلها.
فهل سنبقى في هذه العوالم، التي تزيد من ضوضاء أفكارنا، ومن انغلاقنا وتحاورنا مع لا وعينا، أم نسعى بقليلٍ من الحكمة والوعي، لتجاوز وجودنا الماديّ، نحو الفرح والسلام الداخليّ؟..
أعتقد بأن لا شيء يساعدنا على هذا الانتقال، سوى قراءاتنا الهادئة، ومحبّتنا الرائعة. قراءاتنا لحكماءٍ خلدتهم الكلمة، ومحبّتنا لكلِّ ما يجعلنا نعيشُ إشراقات الحياة، بعيداً عن ضوضاءِ الجهل والعتمة.
إن فعلنا ذلك، فحتماً سنجد أنفسنا نتحاور بمحبّةٍ وهدوء، ودون تعصّب ديني أو مذهبي، أو خوف أو انحياز أو تجاوز للمعقول.. هنا، سنتجاوز الحقد والكراهية، إلى ما يجعل منّا أكثر رأفة وإنسانية وعقلانية، وإلى ما يجعل حديثنا يرتقي، وصوتنا يقتفي، معنى ومغزى الصمت الحكيم، الذي يطوّرنا، على المستوى العام، مثلما المستوى الشخصيّ.
التاريخ: الثلاثاء3-8-2021
رقم العدد :1057